الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الكلمة الدارجة (من عيوني) إنما تقال في قضاء الحوائج.
قال الشيخ أحمد رضا عضو المجمع العلمي العربي، في كتابه (قاموس رد العامي إلى الفصيح): تقول لمن يطلب منك أمرا، وأنت تريد أن تكرمه بالإجابة إلى قضائه: "هذا على عيني، وعلى عيوني" أي جعلته نصب عيني، وأنا إنما أقضيه بكل ما عندي من نشاط. وفي مثله تقول العرب: "أنت على عيني" تقوله في الإكرام، والحفظ جميعا. اهـ.
وقال الدكتور عبد المنعم سيد عبد العال في كتابه (معجم الألفاظ العامية، ذات الحقيقة والأصول العربية): نقول في دارجتنا: "أقضي لك حاجة كذا، على عيني ورأسي". أي سأقضيها في فرح وامتنان، وعزم أكيد. اهـ.
وأما قوله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48] فليست من هذا الباب، وإنما معناها كما قال الطبري في تفسيره: فإنك بمرأى منا، نراك، ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين. اهـ.
وكذلك قال النحاس في (إعراب القرآن).
وقال تفسير الماوردي في تفسيره: {فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بعلمنا، قاله السدي.
الثاني: بمرأى منا، حكاه ابن عيسى.
الثالث: بحفظنا وحراستنا، ومنه قوله تعالى لموسى: {وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] بحفظي وحراستي، قاله الضحاك. اهـ.
وإذا تبين هذا، عرف الفرق بين المعنيين، وأن الاستشهاد بهذه الآية الكريمة الواردة في الرسالة محل السؤال، لا يصح.
وعلى هذا؛ فلا يجوز تداول هذه الرسالة في مواقع التواصل الاجتماعي ونحوها، وينبغي تحذير منشئها من أن يدخل تحت طائلة الوعيد المترتب على الإلحاد في آيات الله تعالى، حيث حملها على غير مراد الله سبحانه، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا، أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {فصلت:40}.
قال ابن عباس: الإلحادُ: وضعُ الكلام على غير مواضعه. انتهى، من تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير.
والله أعلم.