الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن أهل العلم تتفاوت رتبهم، وتتباين منازلهم بحسب ما آتاه الله كلا منهم من العلم به، وبشرعه، فأعلمهم بالله وبشرعه، أكثرهم حظا من هذه النصوص، ولا ريب أن رسل الله هم أعلم الخلق بالله، ثم الناس بعدهم متفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما، وبقدر حرص الشخص على العلم ونيله منه، يكون حظه من تلك النصوص الواردة في فضل العلم وأهله، فمن كان أكثر علما، وأعظم خشية لله، وأرسخ في المعرفة بالله وبشرعه، كان فضله أكمل ومنزلته أعلى، ومن كان دون ذلك، فهو بحسبه، ولا يضيع الله عمل عامل، ولا يخيب سعي ساع.
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- بعد ذكر جملة من النصوص في فضل العلماء: والنصوص في هذا كثيرة معلومة، ويكفي في شرف العلم وأهله أن الله عز وجل استشهدهم على وحدانيته، وأخبر أنهم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال. قال تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فاستشهد الملائكة، وأولي العلم على وحدانيته سبحانه، وهم العلماء بالله، العلماء بدينه، الذين يخشونه سبحانه ويراقبونه، ويقفون عند حدوده، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ومعلوم أن كل مسلم يخشى الله، وكل مؤمن يخشى الله، ولكن الخشية الكاملة إنما هي لأهل العلم، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم من يليهم من العلماء على طبقاتهم. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فالخشية لله حق، والخشية الكاملة إنما هي من أهل العلم بالله والبصيرة به، وبأسمائه، وصفاته، وعظيم حقه سبحانه وتعالى، وأرفع الناس في ذلك هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم يليهم أهل العلم على اختلاف طبقاتهم في علمهم بالله ودينه. انتهى.
وإذا علمت هذا، فإن قعودك عن طلب العلم تضييع منك لهذه المنزلة العظيمة، وتفريط في هذا الثواب الجزيل الذي يناله طلبة العلم، بل أنت كلما أمعنت في طلب العلم، وبالغت في التزود منه، علت رتبتك عند الله تعالى، وعظم حظك من هذه النصوص التي أوردتها وغيرها، فما حصل لك من التثبيط عن التعلم إنما هو مكيدة شيطانية، يريد بها أن يحول بينك وبين الخير، فاحذر الشيطان ومكره، وجاهد الوساوس ولا تلتفت إليها، ولا تبال بها، ولا تعرها اهتماما؛ فإن الاسترسال مع الوساوس يفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.