الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت السيارة من جملة التركة, فهي مملوكة لجميع الورثة، وهم شركاء فيها على الشيوع, ولا يجوز لأحد الورثة، أو بعضهم الانفراد، أو الاستئثار بها دون غيرهم، أو إذنهم إذا كانوا بالغين راشدين.
وبخصوص إشهاد الأب على تمليك سيارة لأحد أبنائه, فإن كان هذا الابن صغيرا لم يبلغ, فإن الأب يحوز له, وتعتبر الهبة نافذة, ولا يضر عدم تحويل ملكية السيارة لدى الجهات الحكومية كشرطة المرور؛ مثلا.
قال ابن قدامة في المغني: فإن وهب الأب لابنه شيئا، قام مقامه في القبض والقبول، إن احتيج إليه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن الرجل إذا وهب لولده الطفل دارا بعينها، أو عبدا بعينه، وقبضه له من نفسه، وأشهد عليه، أن الهبة تامة. هذا قول مالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي... إلى أن قال: قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره، لا يحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض، وإن وليها أبوه؛ لما رواه مالك، عن الزهري، عن ابن المسيب، أن عثمان قال: من نحل ولدا له صغيرا، لم يبلغ أن يحوز نحله، فأعلن ذلك، وأشهد على نفسه، فهي جائزة، وإن وليها أبوه. انتهى.
أما إذا كان الابن قد بلغ في حياة أبيه, وحاز السيارة بحيث صار يستخدمها كأنها مملوكة له, فإن الهبة صحيحة, ولا يضره عدم نقل ملكيتها لدى الجهات المختصة، وإن كان الحوز لم يحصل, فإن الهبة باطلة، وتصير السيارة ملكا لجميع الورثة.
قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا تتم هبة، ولا صدقة، ولا حبس، إلا بالحيازة. انتهى.
مع التنبيه على أن تخصيص أحد الأبناء بهبة دون باقي إخوته, وأخواته، محل خلاف بين أهل العلم, فالجمهورعلى جوازه, خلافا للحنابلة, كما سبق في الفتوى رقم: 6242. لكن على مذهب الحنابلة، إذا مات الأب قبل استرجاع الهبة, فإنه يملكها.
قال ابن قدامة في المغني: إذَا فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِهِ فِي الْعَطَايَا، أَوْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَزِمَ، وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. انتهى.
والله أعلم.