الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك العافية مما تعاني منه، وأن يوفقك لتحقيق طموحاتك، وأن يرزقك حفظ القرآن والحديث، ونفيدك أنه لا يمكننا الجزم بأن ما يحصل من الابتلاءات لشخص ما، سببه ذنوب أو غيرها، ولكنا نوصيك بعلاج الأمر بالصبر، والإكثار من الاستغفار والدعاء، وسؤال الله العافية، وحسن الظن بالله تعالى؛ فإن المرض قد يكون عقوبة، فيجب على المريض التوبة والصبر، وقد يكون ابتلاء واختباراً، فالواجب عليه الصبر، فإن صبر ورضي، فله الرضا من الله تعالى، وجزيل الثواب، فقد قال العباس رضي الله عنه: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة. وروى الترمذي عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع.
وفي رواية: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب، أو يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد.
وفي الحديث: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم.
وعليك بتذكر نعم الله التي لا تحصى ولا تعد، فما يصاب به العبد من البلاء لا يساوي شيئا في مقابل ما أسبغ الله عليه من النعماء، فكم من الناس يتضجر ويتسخط للفقر الذي نزل به، أو المرض الذي ألمَّ به، وينسى حين ذاك أنه غارق في نعم الله عليه، فهو يتمتع بنعمة الحياة، ونعمة البصر، وإلاَّ لكان أعمى يقاد في الطرقات لا يهتدي سبيلاً، ونعمة السمع، وإلا لكان أصم يتحدث الناس بجواره ولا يعقل ما يقولون، ونعمة العقل، وإلا لكان مجنوناً يقذره الأقربون، ويلعب به الأطفال، ونعمة اللسان، وإلا لكان أبكم لا يفصح عما يريد، ونعمة الهواء والماء والطعام والمسكن والأولاد، وكل شيء حوله، وصدق الله إذ يقول: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20].
واعلم أن الدعاء يشرع لجميع الأمراض، وهو المفتاح لقضاء جميع الحاجات، فقد روى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل، فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقال ابن القيم في الفوائد: إذا كان كل خير أصله التوفيق, وهو بيد الله، لا بيد العبد, فمفتاحه الدعاء، والافتقار، وصدق اللجأ، والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح، فقد أراد أن يفتح له, ومتى أضلّه عن المفتاح، بقي باب الخير مرتجًا دونه. اهـ.
وأما عن شبهة استعجال الإجابة، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا في قوله: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.
وفي قوله: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء. رواه مسلم.
قال ابن القيم: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء: أن يتعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً، أو غرس غرساً فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه، تركه وأهمله. انتهى.
وجاء في شرح رياض الصالحين للعلامة الشيخ ابن عثيمين: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ـ يعني أن الإنسان حري أن يستجيب الله دعاءه إلا إذا عجل، ومعنى العجلة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول: دعوت، ودعوت، فلم أر من يستجيب لي، فحينئذ يستحسر ويدع الدعاء، وهذا من جهل الإنسان؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يمنعك ما دعوته به إلا لحكمة، أو لوجود مانع يمنع من إجابة الدعاء، ولكن إذا دعوت الله، فادع الله تعالى وأنت مغلب للرجاء على اليأس حتى يحقق الله لك ما تريد، ثم إن أعطاك الله ما سألت فهذا المطلوب، وإن لم يعطك ما سألت، فإنه يدفع عنك من البلاء أكثر وأنت لا تدري، أو يدخر ذلك لك عنده يوم القيامة، فلا تيأس ولا تستحسر . ادع ما دام الدعاء عبادة فلماذا لا تكثر منه؟ بل أكثر منه استجاب الله لك، أو لم يستجب، ولا تستحسر، ولا تسئ الظن بالله عز وجل، فإن الله تعالى حكيم يقول الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ـ والله الموفق. اهـ.
ولمعرفة بعض الأمور المعينة على اكتساب رضوان الله، والصبر وعلو الهمة، وكشف البلاء وتجاوز المصائب، راجع الفتاوى أرقام: 5249 73790، 320419، 327133، 122246، 93185.
والله أعلم.