الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالثناء على الله بصيغة: الحمد لله، أبلغ وأعلا من صيغة: الشكر لله؛ وذلك أن الحمد أعم وأشمل..؛ لأنه إثبات لسائر صفات الكمال، فالشكر داخل فيه، كما قال أهل العلم- لأن الحمد يكون على النعم وعلى غيرها، كأن تثني على شخص لحسن أخلاقه، وأما الشكر فلا يكون إلا عن يد؛ أي نعمة وإحسان، فمن حمد الله تعالى، فقد شكره، وأثنى عليه.
قال ابن منظور في اللسان: فالحمد شكر وزيادة، وأما الشكر فهو الثناء على المحسن، بسبب ما قدم من معروف. اهـ.
وقال ابن جزي في تفسيره: التسهيل: الحمد أعمّ من الشكر؛ لأنّ الشكر لا يكون إلّا جزاء على نعمة، والحمد يكون جزاء كالشكر، ويكون ثناء ابتداء، كما أنّ الشكر قد يكون أعم من الحمد؛ لأن الحمد باللسان، والشكر باللسان والقلب، والجوارح. فإذا فهمت عموم الحمد: علمت أنّ قولك: الحمد لله، يقتضي الثناء عليه لما هو من الجلال والعظمة والوحدانية والعزة والإفضال، والعلم والمقدرة والحكمة وغير ذلك من الصفات، ويتضمن معاني أسمائه الحسنى التسعة والتسعين، ويقتضي شكره والثناء عليه بكل نعمة أعطى، ورحمة أولى جميع خلقه في الآخرة والأولى،.. ويكفيك أن الله جعلها -الحمد لله- أوّل كتابه، وآخر دعوى أهل الجنة. اهـ.
وعلى ذلك، فإن الحمد شكر وزيادة.
وقد بين ابن القيم في مدارج السالكين، أن بين الحمد والشكر عموما وخصوصا من وجه؛ فقال: وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ أَيُّهُمَا أَعْلَى وَأَفْضَلُ؟ وَفِي الْحَدِيثِ: الْحَمْدُ رَأَسُ الشُّكْرِ، فَمَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ لَمْ يَشْكُرْهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الشُّكْرَ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَنْوَاعِهِ وَأَسْبَابِهِ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ مُتَعَلَّقَاتِهِ. وَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلَّقَاتِ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ الْأَسْبَابِ. اهـ.
أما مراتب الشكر أو درجاته، فقد ذكر ابن جزي أنها ثلاث، وجعل أعلاها: أن يغيب الشاكر عن النعمة بمشاهدة المنعم.
فقال في التسهيل: والشكر على ثلاث درجات: فدرجات العوام: الشكر على النعم، ودرجة الخواص: الشكر على النعم والنقم، وعلى كل حال، ودرجة خواص الخواص: أن يغيب عن النعمة، بمشاهدة المنعم. اهـ.
كما قسم ابن القيم درجات الشكر إلى ثلاث أيضا، وجعل أعلاها: ألا يشهد العبد إلا المنعم.
فقال في مدارج السالكين: الشُّكْرُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الشُّكْرُ عَلَى الْمحَابِّ، الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ، الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَشْهَدَ الْعَبْدُ إِلَّا الْمُنْعِمَ. فَإِذَا شَهِدَ الْمُنْعِمَ عُبُودِيَّةً: اسْتَعْظَمَ مِنْهُ النِّعْمَةَ. وَإِذَا شَهِدَهُ حُبًّا: اسْتَحْلَى مِنْهُ الشِّدَّةَ. وَإِذَا شَهِدَهُ تَفْرِيدًا: لَمْ يَشْهَدْ مِنْهُ نِعْمَةً، وَلَا شَدَّةً.. وهَذِهِ الدَّرَجَةُ يَسْتَغْرِقُ صَاحِبُهَا بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ عَنِ النِّعْمَةِ. اهـ.
وعلى ذلك، فإن أعلا درجات الشكر هي التي يستغرق صاحبها بشهود المنعم سبحانه وتعالى.
والله أعلم.