الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فَإن كنت تقصد السؤال عن الدم الذي يخرج من الفم، فإن تَعَمُّدُ بلعِ ذلك الدمِ مفسدٌ للصيام كتعمُّدِ بلع الطعام، قال ابن قدامة في المغني: فَإِنْ سَالَ فَمُهُ دَمًا، أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَلْسٌ أَوْ قَيْءٌ، فَازْدَرَدَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا... اهـ.
ولا يشرط في الداخل الذي يَفْسُدُ به الصيامُ أن يكون مُغَذِّياً في قول جمهور أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّاخِل إِلَى الْجَوْفِ مُغَذِّيًا، فَيَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالدَّاخِل إِلَى الْجَوْفِ، مِمَّا يُغَذِّي أَوْ لاَ يُغَذِّي، كَابْتِلاَعِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ. اهـ.
ويرى بعض الفقهاء أنه لا يفسد الصوم بابتلاع الدم، قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: وَابْتِلَاعُ دَمٍ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ غَلَبَةً لَغْوٌ، وَإِنِ ابْتَلَعَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِخْرَاجِ ذَلِكَ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ... وَمَنْ كَثُرَ عَلَيْهِ الدَّمُ إِذَا كَانَ مِنْ عِلَّةٍ دَائِمَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ لَمْ يَبْتَلِعْ. اهــ.
والمفتى به عندنا فساد الصوم، ويلزمه القضاء فقط، وأما قولك: هل الفتوى بالقضاء فقط لمن تعمد بلع الدم مختلف فيها... إلخ، فسؤالك هنا يعتريه شيء من الغموض، فإن كنت تعني هل هناك من لا يوجب القضاء أصلا فالجواب يُفهم مما تقدم، فقد ذكرنا في النقل عن الحطاب أن من أهل العلم من لا يقول بفساد الصوم أصلا، وإن كنت تعني هل هناك من يقول بالقضاء فقط دون الكفارة فالجواب نعم، فإن جمهور أهل العلم لا يوجبون الكفارة في إفساد الصوم إلا بالجماع، قال النووي في المجموع: إذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَاتِ الْمُفْضِيَاتِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ. اهـ.
وإن كنت تسأل هل المالكية يوجبون الكفارة في ابتلاع الدم عمدا، فالجواب أننا لم نقف على نص صريح عندهم في إيجاب الكفارة بابتلاع الدم، والذي يظهر من مذهبهم أنهم يوجوبون ذلك حيث ذكروا شروطا خمسة لإيجاب الكفارة بتعمد الأكل بالفم في رمضان تتوافر في ابتلاع الدم: أَوَّلُهَا: الْعَمْدُ، وَثَانِيهَا الِاخْتِيَارُ، وَثَالِثُهَا الِانْتِهَاكُ لِلْحُرْمَةِ، وَرَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَخَامِسُهَا كَوْنُهُ صَوْمَ رَمَضَانَ فَلَا كَفَّارَةَ فِي غَيْرِهِ.
والله أعلم.