الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من الكلام باطل منكر لا أصل له، والحيض مكتوب على بنات آدم منذ خلقن، ولم يقل أحد إن الحيض كان بسبب ما ذكرت من أمر مريم، وقد ورد ما يفيد أن الحيض أول ما ألقي، ألقي على بني إسرائيل، قال الحافظ في الفتح: قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ بِالرَّفْعِ ـ لِأَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَالْخَبَرُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَتَشَرَّفُ لِلرَّجُلِ فَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَ وَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ ـ وَعِنْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ قَوْلُهُ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ، قِيلَ مَعْنَاهُ أَشْمَلُ، لِأَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ فَيَتَنَاوَلُ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَمَنْ قَبْلَهُنَّ، أَوِ الْمُرَادُ أَكْثَرُ شَوَاهِدَ أَوْ أَكْثَرُ قُوَّةً، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ، فَإِنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: بَنَاتُ آدَمَ ـ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّعْمِيمِ بِأَنَّ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ طُولُ مُكْثِهِ بِهِنَّ عُقُوبَةً لَهُنَّ لَا ابْتِدَاءُ وُجُودِهِ، وَقد روى الطَّبَرِيّ وَغَيره عَن ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيم: وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت ـ أَيْ حَاضَتْ، وَالْقِصَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِلَا ريب، وروى الْحَاكِم وابن الْمُنْذر بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ كَانَ عَلَى حَوَّاءَ بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَتْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَبَنَاتُ آدَمَ بَنَاتُهَا. انتهى.
والله أعلم.