الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلدينا في البدء تنبيه عام، وهو أنه لا ينبغي للسائل أن يحاول التأثير على المفتي ليجيبه بجواب معين، والمفترض في السائل أنه يجهل الحكم الشرعي، فيسأل ليبين له هذا الحكم، والمفتي ليس خصمًا له، وإنما المطلوب منه أن يبين الحكم الشرعي من وجهة نظره، فيذكره بغض النظر عن أن يكون ذلك في مصلحة السائل، أو ضد غرضه.
ومحادثة المرأة للرجل الأجنبي، ذريعة إلى ما لا يجوز، وخاصة إن كانت شابة؛ فهذا أدعى للفتنة؛ ومن أجل هذا شدد الفقهاء في المنع من الحديث إلى الأجنبية الشابة، ويمكنك أن تراجعي كلامهم في الفتوى رقم: 21582، فالكلام معها محرم إلا لحاجة، وفي حدود الضوابط الشرعية، والتعارف ثم الخطبة، ليس بالحاجة المعتبرة شرعًا، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: يقول بعض الخاطبين: إنني أحدثها من أجل أن أفهم عن حالها، وأفهمها عن حالي، فيقال: ما دمت قد أقدمت على الخطبة، فإنك لم تقدم إلا وقد عرفت الشيء الكثير من حالها، ولم تقبل هي إلا وقد عرفت الشيء الكثير عن حالك، فلا حاجة إلى المكالمة بالهاتف، والغالب أن المكالمة بالهاتف للخطيبة لا تخلو من شهوةٍ، أو تمتع شهوة، يعني شهوة جنسية، أو تمتع، يعني تلذذ بمخاطبتها، أو مكالمتها، وهي لا تحل له الآن حتى يتمتع بمخاطبتها، أو يتلذذ. اهـ.
والنظر إلى المخطوبة إنما يجوز في حق من عزم على الخطبة، وغلب على ظنه أن يجاب، كما ذكر أهل العلم، وأما قبل ذلك فلا يجوز؛ لأن الأصل فيه المنع، قال البهوتي الحنبلي في الروض المربع: ويباح له: أي لمن أَراد خطبة امرأَة، وغلب على ظنه إِجابته، نظر ما يظهر غالبًا... اهـ. قال ابن قاسم معلقًا في الحاشية: وإلا لم يجز، كمن ينظر إلى امرأة جليلة يخطبها، مع علمه أنه لا يجاب إلى ذلك. اهـ.
وإذا علمت أن الأصل التضييق في هذا الجانب، وأن الإباحة في حدود ضيقة تتحقق بها الحاجة، تدركين عندها الفرق بين هذا القدر الذي أباحه الشرع، وبين ما ذكرت من التعارف من خلال الحديث بين الطرفين، ومناقشة أمور اقتصادية، ودينية، واجتماعية، فهذا توسع غير مرضي، وفيه فتح للباب لأصحاب الأغراض والشهوات، ومن يلعبون بعواطف الفتيات، والشريعة قد جاءت بسد الذرائع، ومنع أسباب الفتنة.
وشأن المؤمن أن لا يزكي نفسه بأنه يأمن الفتنة، ولا يتأثر، بل يخاف أن يفتن، فيطلب السلامة، ويسلك جانب الاحتياط، وفي الحديث المتفق عليه من رواية النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه، وعرضه. وروى الترمذي، والنسائي عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك.
وفي الختام: نسأل الله أن يوفقك إلى الزوج الصالح الذي تغتبطين به، وتسعدين معه، ويرزقك منه ذرية طيبة، تقر بها عينك في دنياك، وأخراك.
وننبه إلى أن المخطوبة أجنبية عن خاطبها حتى يعقد له عليها العقد الشرعي، فهي كغيرها من الأجنبيات، فما ذكرناه هنا يشملها أيضًا.
والله أعلم.