الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن سؤال من يسأل الجن ويستعين بهم ليس شركًا بإطلاق، فإن كان السؤال لامتحانه واختباره، دون تصديقه في كل ما يخبر به، فهذا السؤال سائغ، وليس بمحرم، ولا بشرك، قال ابن تيمية: وأما سؤال الجن، وسؤال من يسألهم، فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به، والتعظيم للمسؤول، فهو حرام، كما ثبت في صحيح مسلم، وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت: يا رسول الله، أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان، قال: فلا تأتوا الكهان. وفي صحيح مسلم أيضًا عن عبيد الله، عن نافع، عن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا.
وأما إن كان يسأل المسؤول ليمتحن حاله، ويختبر باطن أمره، وعنده ما يميز به صدقه من كذبه، فهذا جائز، كما ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد، فقال: ما يأتيك؟ فقال: يأتيني صادق وكاذب، قال: ما ترى؟ قال: أرى عرشًا على الماء، قال: فإني قد خبأت لك خبيئًا، قال: الدخ الدخ، قال: اخسأ فلن تعدو قدرك، فإنما أنت من إخوان الكهان.
وكذلك إذا كان يسمع ما يقولونه، ويخبرون به عن الجن، كما يسمع المسلمون ما يقول الكفار والفجار؛ ليعرفوا ما عندهم، فيعتبروا به، وكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت، فلا يجزم بصدقه ولا كذبه إلا ببينة، كما قال تعالى: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا. وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة: أن أهل الكتاب كانوا يقرؤون التوراة، ويفسرونها بالعربية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون. فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه، ولم يصدقوه ولم يكذبوه، وقد روي عن أبي موسى الأشعري أنه أبطأ عليه خبر عمر، وكان هناك امرأة لها قرين من الجن، فسأله عنه، فأخبره أنه ترك عمر يسم إبل الصدقة، وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشًا فقدم شخص إلى المدينة، فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم، وشاع الخبر، فسأل عمر عن ذلك، فذكر له، فقال: هذا أبو الهيثم بريد المسلمين من الجن، وسيأتي بريد الإنس بعد ذلك، فجاء بعد ذلك بعدة أيام. اهـ.
وقد بينا كلام أهل العلم في إباحة ومنع الاستعانة بالجن، فمنهم من أباحه فيما هو مشروع، ومنهم من منعه؛ لأنه لا يؤمن شرهم وخداعهم، ورجحنا هذا القول، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 5701، 137740، 7369، 118845، 65551، 290515.
فنوصيك بنصح صديقك هذا وتحذيره من مغبة الطريق الذي يسير فيه، ونوصيك كذلك بالإعراض عما يقوله، وعدم الاشتغال بما يخوفك، وثق ثقة تامة أنك إن اعتصمت بالله، وتحصنت بذكره، وركنت إلى حفظه سبحانه، فلن يضرك إنس ولا جانّ، إلا ما شاء الله سبحانه.
والله أعلم.