الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيديك حرصا على تحري الحلال، والبعد عن الحرام.
وبعد: فإن من المعلوم أنه يحرم على المسلم إعانة أحد على معصية الله، بتوصيل ولا بغيره.
قال ابن تيمية: قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} . ولا يجوز أن يعان أحد على الفاحشة، ولا غيرها من المعاصي؛ لا بحلية، ولا لباس، ولا مسكن، ولا دابة ولا غير ذلك؛ لا بكرى ولا بغيره. اهـ.
وقال أيضا: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وساقيها وشاربها وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي، إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما: كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.
وقد سئل الأستاذ الدكتور خالد المشيقح: هل يجوز للمسلم المقيم في أوربا أن يشتغل في مهنة سائق سيارة أجرة؟
فأجاب: العمل كسائق أجرة، الأصل في ذلك الحل؛ لأن الأصل في المعاملات الحل والصحة، لكن إذا تضمنت مناهي شرعية ومحرمات، فإنها لا تجوز، فنقول: العمل كسائق أجرة إذا تضمن أنه سيخلو بالنساء، أو يحمل أناساً إلى مكان فجور، أو شرب خمر أو نحو ذلك، فهذا محرم ولا يجوز، فإن استطاع أن يترك هذه المحرمات ويقتصر على المباحات فقط، فإن هذا جائز ولا بأس به، كما لو امتنع من إركاب المرأة الأجنبية، أو حمل الناس إلى أماكن الفسق والفجور، وغير ذلك فإن هذا جائز، كما لو حمل أناساً إلى أماكن مباحة، فالأصل فيه أنه مباح وجائز ولا بأس .اهـ.
فتوصيل من علمت قصده، أو غلب على ظنك بأنه ذاهب إلى مكان معصية ليعصي الله فيه، محرم، وأما من لم تعلم منه ذلك، فيجوز توصيله.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية - في الكلام عن بيع العصير لمن يتخذه خمرا -: اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع: أن يعلم البائع بقصد المشتري اتخاذ الخمر من العصير، فلو لم يعلم لم يكره بلا خلاف، كما ذكره القهستاني من الحنفية، وكذلك قال ابن قدامة: إنما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك: إما بقوله، وإما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.
أما الشافعية فاكتفوا بظن البائع أن المشتري يعصر خمرا أو مسكرا، واختاره ابن تيمية. أما إذا لم يعلم البائع بحال المشتري، أو كان المشتري ممن يعمل الخل والخمر معا، أو كان البائع يشك في حاله، أو يتوهم: فمذهب الجمهور الجواز، كما هو نص الحنفية والحنابلة. ومذهب الشافعية أن البيع في حال الشك أو التوهم مكروه. اهـ.
فالخلاصة: أنه لا يجوز لك توصيل من تعلم أنه ذاهب إلى أماكن المعصية ليعصي الله فيها -ولو لم تشاركهم فيما يفعلونه في تلك الأماكن- كما سلف في الفتوى رقم: 272017، والفتوى رقم: 235618.
وثق ثقة تامة أنك لن تجد فَقْد شيء تركته لله، فما أعرضت عنه ابتغاء رضوان لله، فسيعوضك خيرا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل، إلا أعطاك الله خيرا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.