الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما قرأته من أن الطلاق لا يصح من غير المسلم، ليس على إطلاقه، فالكافر يتزوج الكافرة ويطلقها، وطلاقه إياها صحيح معتبر، ولا يصح نكاحها يهودية كانت، أو نصرانية قبل مفارقة زوجها لها، وانقضاء عدتها، وحتى لو أسلمت الكتابية، فلا يحل نكاحها ما لم تنقض العدة قبل إسلام زوجها، فإن انقضت العدة قبل إسلام زوجها الكافر، تبين منه، ويحل نكاحها حينئذ، قال ابن قدامة في المغني: إذا كان إسلام أحدهما بعد الدخول, ففيه عن أحمد روايتان: إحداهما: يقف على انقضاء العدة, فإن أسلم الآخر قبل انقضائها, فهما على النكاح, وإن لم يسلم حتى انقضت العدة, وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان, فلا يحتاج إلى استئناف العدة، وهذا قول الزهري, والليث, والحسن بن صالح, والأوزاعي, والشافعي, وإسحاق، ونحوه عن مجاهد, وعبد الله بن عمر, ومحمد بن الحسن. انتهى.
وفي فتوى اللجنة الدائمة لما سئلت: ما الحكم إذا أسلمت امرأة مسيحية وهي متزوجة برجل مسيحي، وبعد أن أشهرت إسلامها تريد أن تتزوج برجل مسلم، فما حكم الشرع في هذا؟
فأجابوا: إذا أسلمت المرأة تحت رجل كافر، فإنها تحرم عليه، ويفرق بينهما، ويراعى خروجها من العدة، فإن خرجت من العدة قبل أن يسلم بانت منه بينونة صغرى؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)، وإن أسلم قبل انتهاء عدتها ردت إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد المهاجرات إلى أزواجهن لما أسلموا وهن في العدة. انتهى.
والعبارة المذكورة: (إن الطلاق لا يصح من غير المسلم) لعله يقصد بها مسألة القضاء، وهل للقاضي غير المسلم أن يطلق زوجة من زوجها أم لا؟ لأن القضاء نوع ولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم؛ ولذا جاء في بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، مع الرابطة الإسلامية حول مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام ما يلي: إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا شرعيًّا، فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق، فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه، بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة، وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية، لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني، فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية، وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية، وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق. انتهى.
والله أعلم.