الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن عقد النذر ليس بمستحب، وإنما هو مكروه ـ كما ذكرت ـ لقوله عليه الصلاة والسلام عن النذر: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. أخرجه البخاري، ومسلم.
لكن من نذر نذرًا مما يعتبر قربة -كصيام يوم، أو شهر، أو سنة- لزمه الوفاء بذلك؛ لقول الله تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ {الحج:29}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله، فليطعه، ومن نذر أن يعصيه، فلا يعصه. رواه البخاري.
وقد نص أهل العلم على صحة نذر صوم السنة، جاء في كتاب الأم للإمام الشافعي -رحمه الله-: وَإِذَا نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا، صَامَهَا كُلَّهَا إلَّا رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَصُومُ لِرَمَضَانَ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ.
وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أشرت إليه، فإنما هو عن صيام التطوع، وليس عن الوفاء بالنذر، ففي الصحيحين: أن عبد الله بن عمرو لما شغل وقته بقيام الليل وصيام النهار، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: صم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، فإن لنفسك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه.
ولذلك؛ فإنك إذا كنت قصدت بنذرك هذا التقرب إلى الله تعالى ـ أي: لم تخرجه مخرج اليمين، والمنع من ارتكاب المعصية ـ فالواجب عليك الوفاء به حسب ما قصدت، من تتابع الصوم، أو تفريقه، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في لقاء الباب المفتوح: إن كان في نيته التتابع، لزمه أن يكون متتابعًا، وإلا فهو حر، إن شاء صام متتابعًا أو متفرقًا.
ولذلك؛ فإن كان قولك: أقوم بنذر صيام شهرين ـ تقصد به تتابعهما، فإن عليك تتابع كل شهرين، وإن لم تنو به التتابع، لم يجب عليك التتابع عند جمهور أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 173721.
وعلى كل حال؛ لا يلزمك متابعة الأشهر الثمانية مع بعضها؛ لأن كل شهرين منها نذر مستقل، إلا إذا كنت حددتها بعينها في النذر، وكانت متوالية، فيجب عليك تتابعها، ولا يجوز لك تأخير صيامها مع القدرة، ويترتب على تعمد التأخير الإثم، مع لزوم كفارة يمين للتأخير عند بعض أهل العلم، مع القيام بالنذر أيضًا، كما تقدم في الفتوى رقم: 6189.
وإن كانت الشهور غير معينة، فيستحب لك تعجيل الوفاء، ولا يجب عليك ذلك، كما في الفتوى رقم: 7004.
علمًا أن النذر لا بد له من صيغة تدل على الالتزام، وراجع لبعض تفاصيل ذلك الفتوى رقم: 102449.
ولا يجوز لك العدول عن الصوم إلا إذا عجزت عنه عجزًا لا يرجى زواله، فإن عليك أن تكفر عنه كفارة يمين، وانظر الفتويين رقم: 1339، ورقم: 2522.
والله أعلم.