الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه يجب على كل مكلف اتّباع الكتاب والسنة، وأنه متى ظهر له الدليل في مسألة وجب عليه اتباعه، وترجيحه على أي قول آخر، فإذا لم يستطع التمييز بين الأقوال، ولا الترجيح بينها قلّد الأعلم، والأورع، وهذا هو مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فيما سألت، حيث قال: وَأَمَّا تَقْلِيدُ الْمُسْتَفْتِي لِلْمُفْتِي: فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا شرع لَهُ الْتِزَامُ قَوْلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فِي كُلِّ مَا يُوجِبُهُ، وَيُحَرِّمُهُ، وَيُبِيحُهُ، إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَلَى الْمُسْتَفْتِي أَنْ يُقَلِّدَ الْأَعْلَمَ الْأَوْرَعَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ اسْتِفْتَاؤُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُفْتِينَ، وَإذَا كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ، فَقَدْ قِيلَ: يَتَّبِعُ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ عِنْدِهِ بِحَسَبِ تَمْيِيزِهِ، فَإِنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّخْيِيرِ الْمُطْلَقِ، وَقِيلَ: لَا يَجْتَهِدُ إلَّا إذَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، فَإِذَا تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُسْتَفْتِي أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إمَّا لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ بِحَسَبِ تَمْيِيزِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ قَائِلِهِ أَعْلَمَ وَأَوْرَعَ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ قَوْلُهُ الْمَذْهَبَ. انتهى.
وعليه؛ فما ذكرته من أنك تأخذ بفتاوى الصحابة، خصوصًا الخلفاء الراشدين منهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ثم من بعدهم أئمة التابعين، ثم من بعدهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لاعتقادك أنه الأعلم والأوثق بعدهم، ثم بفتاوى الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لاعتقادك أنه أعلم المعاصرين، وأوثقهم، فهذا المنهج الذي ارتضيته لنفسك في التقليد وأخذ الفتوى، جائز، ولكن متى ظهر لك دليل واضح من الكتاب، أو السنة على خلاف كلام من قلدته، وجب عليك اتباع الدليل، وترك كلام من قلدته، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 241789.
والله أعلم.