الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن صيغة السؤال قد تؤثر في الجواب، فالمفتي إنما يجيب حسب ما يذكره السائل، ولا بد أن يعلم المستفتي أنه لا تعذره فتوى المفتي من الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي بذلك؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها. رواه البخاري.
وأما ما ذكرت حول حكم معاملة مختلط المال، وأنا قد أفتينا بجوازه، فهو صحيح، ولا سيما إذا غلب الحلال، كمن يعمل لدى شركة عملا مباحا لا يباشر فيه حراما، ولا يعين عليه، ولكن رأس مال الشركة مختلط: بعضه من حرام، وبعضه من حلال. فللعامل هنا أن ينتفع بالراتب، ولا يؤثر فيه كون مال الشركة مختلطا؛ لجواز معاملة مختلط المال على الراجح.
لكن ما ذكرته حول عملك مع أدسنس، يختلف عن ذلك؛ لأن إعلانات الشركة التي تضعها على ما ترفعه أنت من فيديوهات بعضها محرم، ولا يمكنك التحكم في ذلك، وما تأخذه أنت إنما هو في مقابل عرض تلك الإعلانات، وبعضها محرم كما ذكرت، ولا يحل أخذ أجرة مقابل الإعلان عن أمر محرم, وأما كون غيرك سينشر تلك الإعلانات، ويرفعها على صفحته، وسيشاهدها الناس، فهذا لا يبيح لك نشرها، ففساد الناس وضلالهم لا يبيح مجاراتهم في ذلك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}.
وفي الحديث: لا تكونوا إمّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا. رواه الترمذي.
والله أعلم.