الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من حالك أنك قد أصابك الفتور، ونسأل الله أن يمنَّ علينا وعليك بالإقبال عليه، وأن يعيذنا وإياك من العجز والكسل، ونوصيك بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى وصحبة الصالحين, وأن تجاهد نفسك على فعل الطاعات بقدر الإمكان, وننبهك إلى أن هذه الحال تعرض لعموم السالكين إلى الله، قال ابن القيم في مدارج السالكين: ومر أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ على رجل، وهو يبكي من خشية الله، فقال: هكذا كنا حتى قست قلوبنا ـ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن لكل عامل شرة، ولكل شرة فترة ـ فالطالب الجاد: لابد أن تعرض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حاله وقت الطلب والاجتهاد، ولما فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى شواهق الجبال ليلقي نفسه، فيبدو له جبريل عليه السلام، فيقول له: إنك رسول الله، فيسكن لذلك جأشه، وتطمئن نفسه ـ فتخلل الفترات للسالكين: أمر لازم لابد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم: رجا له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض ـ وفي هذه الفترات، والغيوم، والحجب، التي تعرض للسالكين: من الحكم ما لا يعلم تفصيله إلا الله، وبها يتبين الصادق من الكاذب، فالكاذب: ينقلب على عقبيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه والصادق: ينتظر الفرج، ولا ييأس من روح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينا مستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتة، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء، وصانعه ما يصلح له، لا بسبب من العبد ـ وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب ـ لكن ليس هو منك، بل هو الذي منَّ عليك به، وجردك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام، فاعلم أنه يريد أن يرحمك، ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مضيع، فسل ربه ومن هو بين أصابعه: أن يرده عليك، ويجمع شملك به، ولقد أحسن القائل: إذا ما وضعت القلب في غير موضع... بغير إناء فهو قلب مضيع. انتهى.
وقد بينا علاج الفتور في الفتاوي التالية أرقامها: 17666، 223903، 335254.
والله أعلم.