الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخلاصة القول فيما سألت عنه هو أن الأصل دفع الحق إلى صاحبه ما أمكن ذلك، ما لم يسقطه ويبرئ المدين منه، فإن لم يمكن إيصاله إليه ولو بطرق غير مباشرة ولا هو أسقطه، فيمكن حينئذ التصدق به عنه للفقراء والمساكين عملا بما يستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني ناقلا عن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قوله: إذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها، فالصواب أن يتصدق بها عنهم... وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن فخرج فلم يجد البائع فجعل يطوف على المساكين ويتصدق عليهم بالثمن ويقول: اللهم عن رب الجارية.
وقال أيضا: والمال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه، فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه؛ كالمغصوب والعواري والودائع تصرف في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم.
وكذلك الحال في الحق الذي جهلت مقداره ولم تستطع معرفته يقينا ولا سبيل الى ذلك، فتخرج ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}.
لكن ينبه على أنه لا يكفي سؤال موظف أو اثنين في الشركة، فقد لا يهتمان بالأمر، بل يرجع للمسؤول المخول بالتصرف في مثل هذه الأمور وله الحق في الإبراء منها والتصرف فيها، وقد تجد عنده غايتك، وإذا لم تجد إليه سبيلا وفعلت ما يسعك فعله، فلا حرج عليك وفق ما ذكرناه سابقا.
والله أعلم.