الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من قتل في سبيل الله تعالى من المجاهدين وهو صابر محتسب يرجى له أن يكون من الشهداء، لما في حديث أبي قتادة الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر. رواه مسلم.
قال النووي: فِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال لَا تَنْفَع إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْإِخْلَاص لِلَّهِ تَعَالَى... وَالْمُحْتَسِب هُوَ الْمُخْلِص لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِغَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَاب وَلَا غَيْره. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين في شرح رياض الصالحين: فيه دليلٌ على أن الشهادة إذا قاتل الإنسان في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، فإن ذلك يكفر عنه خطيئاته وسيئاته إلا الدّين، إذا كان عليه دين، فإنه لا يسقط بالشهادة، لأنه حق آدمي، وحق الآدمي لا بد من وفائه. اهـ.
ومثله من صبر بالبلد الذي ظهر فيه الطاعون: لما في صحيح البخاري: عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد.
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بالطاعون، ويدخل تحته ثلاث صور: من اتصف بذلك فوقع به الطاعون فمات به، أو وقع به ولم يمت به، أو لم يقع به أصلا ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً، قاله الحافظ. اهـ.
وأما الصابرون من غير هذين: فلم نطلع على نص في ثبوت الشهادة لهم، ولا شك أن الصبر أجره عظيم، فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.
وقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155ـ 157}.
والله أعلم.