الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن هين لين، قريب سهل، يجمع بين الرقة للمؤمنين، والشدة على الكفار والمنافقين، كما وصف الله أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ {الفتح:29}، وقال في وصف عباده المؤمنين: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ {المائدة:54}.
قال ابن القيم -رحمه الله-: قلب المؤمن قد جَمَعَ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ: فَهُوَ يَرْحَمُ، وَيُحْسِنُ، وَيَتَحَنَّنُ وَيُشْفِقُ عَلَى الْخَلْقِ بِرِقَّتِهِ. وَبِصَفَائِهِ تَتَجَلَّى فِيهِ صُوَرُ الْحَقَائِقِ وَالْعُلُومِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعَدُ الْكَدَرُ وَالدَّرَنُ وَالْوَسَخُ بِحَسَبَ مَا فِيهِ مِنَ الصَّفَاءِ، وَبِصَلَابَتِهِ يَشْتَدُّ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَصَلَّبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَغْلُظُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُومُ بِالْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَالْآنِيَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَرَقُّهَا وَأَصْلَبُهَا وَأَصْفَاهَا. انتهى.
فلا تعارض بين هذه الصفات، ولا ينبغي أن يغلب على المؤمن جانب منها دون الآخر، بل عليه أن يتصف بها كلها؛ ليحصل له كمال الإيمان، فلا هو بالخب الذي يخدع الناس، ولكن الخب الخداع لا يستطيع خداعه؛ لذكائه وفطنته، فسر على هذه الجادة، عاملا بما ذكرناه لك، حريصا على الاتصاف بكل صفة من هذه الصفات في موضعها، مستعينا على تحقيق ذلك بالله تعالى، متوكلا عليه في هدايتك لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو سبحانه، وفي صرف سيئها عنك؛ فإنه لا يصرف سيئها إلا هو سبحانه.
والله أعلم.