الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن تعابير الوجه لا يحاسب عليها الإنسان في الحالات العادية, لكن قد تتحول تعابير الوجه إلى معصية بحسب قصد صاحبها، كأن يقصد بنظرة عين، أو تحريك جزء من وجهه، إيذاء شخص أو اغتيابه, أو احتقاره، أو الاستهزاء به, أو النيل منه مثلا.
قال ابن عاشور في التحرير, والتنوير تعليقا على قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) {غافر:19}:
وإطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النظرة، استعارة مكنية، شبه الجليس بالحليف، في أنه لما جلس إليك، أو جلست إليه، فكأنه عاهدك على السلامة، ألا ترى أن المجالسة يتقدمها السلام، وهو في الأصل إنباء بالمسالمة، فإذا نظرت إلى آخر غيركما نظرا خفيا لإشارة إلى ما لا يرضي الجليس من استهزاء، أو إغراء، فكأنك نقضت العهد المدخول عليه بينكما، فإطلاق الخيانة على ذلك تفظيع له، ويتفاوت قرب التشبيه بمقدار تفاوت ما وقعت النظرة لأجله في الإساءة، وآثار المضرة. انتهى.
وفي تفسير الطبري: عن قتادة، قوله: (خَائِنَةَ الأعْيُنِ) : أي يعلم همزه بعينه، وإغماضه فيما لا يحبّ الله، ولا يرضاه. انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر: {ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11]: أي لا يعب بعضكم على بعض، واللمز بالقول وغيره، والهمز بالقول فقط. وروى البيهقي عن ابن جريج أن الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان. انتهى.
وفي كتاب آفات اللسان في ضوء الكتاب والسُّنَّة للقحطاني: والغيبة لا تختص باللسان، فحيثُ ما أفهمتَ الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض، أو الفعل، أو الإشارة، أو الغمز، أو اللمز، أو الكتابة، وكذا سائر ما يتوصل به إلى المقصود، كأن يمشي مشيه، فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة؛ لأنه أعظم وأبلغ في التصوير والتفهيم. انتهى.
والله أعلم.