الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن أعجب العجب أن يتوهم التعارض بين الآية المذكورة، وبين الحديث، فالآية المذكورة نهي للنبي صلى الله عليه وسلم عن طاعة من هذه صفته، وليست مجرد سب، أو تعيير لشخص بعينه، وسواء كان المذكور في الآية هو الأخنس بن شريق، أم الأسود بن عبد يغوث، أم الوليد بن المغيرة، أم كان غير من ذكر، على أقوال مختلف فيها بين المفسرين؛ فإن الآيات واردة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمته تبع له، عن طاعة من بلغ في الكفر والشر هذا الحد؛ فإن طاعته مجلبة لكل مهلكة، قال تعالى: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ {القلم:10-13}.
والزنيم كما قال ابن كثير: هُوَ الْمَشْهُورُ بِالشَّرِّ، الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَغَالِبًا يَكُونُ دَعِيًّا وَلَدُ زِنًا. انتهى.
فهذا الكافر المعتدي، المبالغ في الكفر والمعاداة لله ورسوله، جدير بأن يحذر، وألا يطاع، فأين النهي عن طاعة مثل هذا من سب سيد من سادات المسلمين، وتعييره بأمّه؟
إن توهم التعارض هنا، والرغبة في الحاجة إلى إزالة الإشكال، مما يتعجب له، بل الأمر في غاية الوضوح، وليس هناك تعارض بحال -بحمد الله-، فذكر الكافر بما فيه من الصفات الذميمة؛ ليحذر ويجتنب، وتترك طاعته، ليس من التعيير، ولا من الذم المعيب، بل وكذلك ذكر الفاسق بما فيه من الفسق؛ ليحذره الناس، ليس من الغيبة التي ينهى عنها.
وأما شتم المسلم، وتعييره بنحو ما قال أبو ذر، لبلال -رضي الله عنهما- فلا شك أنه من خصال الجاهلية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.