الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على ثقتك بنا، وكتابتك إلينا، فجزاك الله خيرًا، ونسأل المولى العلي القدير أن يوفقك إلى كل خير، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه، وترزقين منه الذرية الصالحة.
ولا يخفى عليك أن الله سبحانه بيده الخير كله، وأن علمه محيط بكل شيء، فاحرصي على دعائه، والالتجاء إليه في أمورك كلها، فهو يجيب دعاء من دعاه، ولا يخيب من علق به قلبه ورجاه، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، ونرشد على وجه أخص إلى الاستخارة، فتفوضي أمرك إلى الله؛ ليختار لك الأصلح، ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم: 119608، والفتوى رقم: 123457.
والشرع قد أرشد إلى اختيار صاحب الدين والخلق، فهو أرجى لأن يعرف للمرأة حقها، روى الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه، وخلقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.
ذكر الغزالي في إحياء علوم الدين أن رجلاً قال للحسن: قد خطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟ قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.
والأمر في الحديث المذكور ليس على سبيل الوجوب، وإنما لتأكيد استحباب قبوله، قال المناوي في فيض القدير، في بيان معنى الحديث السابق: (فزوجوه) إياها، وفي رواية: فأنكحوه أي: ندبًا مؤكدًا. اهـ.
فلا بأس بأن ترفضي الزواج منه، وتبحثي عمن اجتمع فيه مع الدين والخلق الصفات الأخرى التي تحبها المرأة عادة، ولكن نوصيك أن تستشيري في أمر الرجل المذكور الثقات من الناس الذين يعرفونه، فإن أثنوا عليه خيرًا، فاقبلي خطبته، واستخيري الله في أمره؛ ليختار لك ما هو أصلح، فقد يجعل الله لك في الزواج منه الخير الكثير.
ولا يغب عن ذهنك أن الأعمار محدودة، والعوارض كثيرة، وأنه قد تفوت بالتأخير الكثير من المصالح المحمودة.
ونود أن نعلّق على قولك: بأنها قد تكون أصابتني بعين ..." لعلك تعنين به تلك المرأة التي أشرت إليها، فإذا كان الأمر كذلك، فالأصل سلامتها من القيام بذلك؛ إذ إن الواجب إحسان الظن بالمسلم، وأنه لا يجوز أن يساء به الظن من غير بينة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... {الحجرات:12}، وإذا كانت معروفة بذلك، فلا يعني هذا أنها قد أصابتك في خاصة نفسك بذلك.
والله أعلم.