الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولهذا الابن العافية, وننصح دائمًا بالتحصن من العين وغيرها من المؤذيات، بالمواظبة على الأذكار, ونوصي بالحذر من إساءة الظن بالناس ولا سيما الأقربين, واتهامهم دون بينة واضحة، أو قرينة ظاهرة، فقد منع الشرع اتهام المسلم بالسوء, كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}، وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث.
وقد فسر ابن كثير الظن المنهي عنه بالتهمة, والتخون للناس في غير محله، وذكر قول عمر -رضي الله عنه-: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا. وذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده؛ لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظن به إلا خيرًا. رواه ابن ماجه.
وروى الطبري عند تفسيره عند هذه الآية: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرًا، ثم قال: إن ظن المؤمن الشر لا الخير إثم؛ لأن الله تعالى نهاه عنه. انتهى.
ثم إن العين من قدر الله تعالى، الذي أكد الرسول صلى الله عليه وسلم سرعة نفاذه، وأما في علاجها فقد أمر رسول الله -عند التحقق من العائن- أن يغتسل العائن، ثم يغتسل منه المعين، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العين حق. متفق عليه، زاد مسلم: ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا.
وروى سهل بن حنيف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة, حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة، اغتسل سهل بن حنيف, وكان رجلًا أبيض، حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو بني عدي بن كعب وهو يغتسل, فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل, فأتى رسول الله فقيل له: يا رسول الله؛ هل لك في سهل, والله ما يرفع رأسه وما يفيق! قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر, فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت, ثم قال له: اغتسل له, فغسل وجهه ويديه ومرفقيه، وركبتيه وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح, ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه, ثم يكفئ القدح وراءه، ففعل به ذلك, فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه أحمد في مسنده.
وأما ما ذكرتم، فليس فيه علاج للعين، وهو أمر لا تعرف منفعته من طريق الشرع، ولا من طريق العقل، فلا يعتبر طريقة صحيحة.
قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع الفتاوى: أما الأخذ من فضلات العائن، فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره، ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته، وثوبه. والله أعلم. اهـ.
والله أعلم.