الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيد حرصا على الخير، وقد ذكرت في أسئلتك السابقة أنك تعاني من الوسوسة، وظاهر أن سؤالك هذا من تأثيرها، والعلاج الذي ينبغي لك الأخذ به: هو الإعراض عن الوساوس جملة، والكف عن التشاغلِ بها، وقطع الاسترسالِ معها، وعدم السؤال عنها، والضراعة إلى الله أن يعافيك منها.
وأما قضية نيل الشهادات في التخصصات الشرعية، ومدى تأثيرها على النية، وعلاقتها بالإخلاص، فقد جلاها العلامة ابن عثيمين، حينما سئل: يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة، فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج؟ فأجاب بقوله: يجاب على ذلك بأمور:
أحدها: أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق، لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات، والناس غالبًا لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة، وبذلك تكون النية سليمة.
الثاني: أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات، فيدخل فيها بنية طلب العلم، ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد.
الثالث: أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حُسنى الدنيا، وحُسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك، لأن الله يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2، 3} وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي.
فإن قيل: من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص؟ فالجواب: أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته، بل قصد أمرًا ماديًّا من ثمرات العبادة، فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله، ويريد أن يمدحوه به، لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك، وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة. اهـ.
وعلى كل حال، فإن عملك وتوظفك بتلك الشهادات لا حرج فيه، ومجرد الفرح بالتخرج أو الاحتفال به، أو إخبار الناس به: كل ذلك لا يدخل في الوعيد على طلب العلم لغير الله.
وقد سئل ابن عثيمين: أنا طالب أحب أن آخذ درجات عالية ومعدلا ممتازًا وأنا مع ذلك نيتي طيبة فما رأيك في الفرح بالدرجات العالية والغضب من الدرجات الضعيفة، هل في هذا خدش للإخلاص؟ فأجاب بقوله: الظاهر ـ إن شاء الله ـ أنه ليس في هذا خدش للإخلاص، لأن هذا أمر طبيعي أن الإنسان يُسر بالحسنة ويُساء بالسيئة، والله تعالى بين أن الأشياء التي لا تلائم المرء سماها سيئة فلابد أن تسوءه، وكذلك الحسنة لابد أن تسره، فهذا لا يؤثر على إخلاصك إذا كان الأمر كما قلت عندك نية طيبة. اهـ.
والله أعلم.