الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي وقفنا عليه هو ما ذكره الصنعاني في سبل السلام حيث قال: وعن أنس: لا تقتلوا الضفادع فإنها مرت على نار إبراهيم فجعلت في أفواهها الماء وكانت ترشه على النار. اهـ.
ولم نقف عليه بهذا اللفظ بعد البحث، بل إن محققي الكتاب طارق عوض الله، ومحمد حلاق، أعرضا عن تخريج الحديث خلافا لطريقتهما في سائر الكتاب! وقد يكون ذلك لعدم وقوفهما عليه، وأقرب شيء إلى هذا الحديث ـ حسب اطلاعنا ـ هو ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف قال: أخبرنا أبو سعيد الشامي، عن أبان، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمنوا الضفدع، فإن صوته الذي تسمعون تسبيح وتقديس وتكبير، إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم، فأذن للضفادع فتراكبت عليه، فأبدلها الله بحر النار الماء.
ولم نجد من حكم عليه من الأئمة، وإسناده ظاهر الضعف جدا، ولذلك وهَّاه بعض المعاصرين، قال عبد الله العتيبي في اللباب شرح فصول الآداب: إسناده واه. اهـ.
وذكر الباحث هاشم نباتي في أطروحته للدكتوراة: زوائد مصنف عبد الرزاق على الكتب الستة من أول المصنف إلى نهاية كتاب المناسك ص: 707 ـ أن هذه الراوية شديدة الضعف، لأن أبان متروك، وأبا سعيد الشامي مجهول، وأنه لم يجد الرواية عند غير عبدالرزاق.
وفي مصنف عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت الضفدع تطفئ النار عن إبراهيم، وكان الوزغ ينفخ فيه، فنهي عن قتل هذا، وأمر بقتل هذا.
وظاهر إسناده الصحة، بل هو على شرط الشيخين، لكن يبعد جدا أن يتفرد عبدالرزاق بإخراج حديث مرفوع بمثل هذا الإسناد، ويعرض عنه صاحبا الصحيح، وبقية الكتب المشهورة، فلعله وقع في المصنف تصحيف أو تحريف أو تركيب للإسناد على غير متنه، ويؤيد هذا ما رواه عبد الرزاق في تفسيره، عن معمر، عن قتادة: كانت الوزغ تنفخ على النار، وكانت الضفادع تطفئها، فأمر بقتل هذا، ونهي عن قتل هذا.
وهكذا عزاه السيوطي في الدر المنثور لعبد الرزاق، لكن عنده: عن قتادة، عن بعضهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره بلفظ.
والمشهور عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، مرفوعا في هذا الباب، ما وراه مسلم من طريق يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ: الفويسق.
وسئل الدارقطني عن هذا الحديث، فقال في علله: يرويه الزهري، واختلف عنه، فرواه مالك، ويونس، ومعمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة... اهـ.
فظهر بذلك أن رواية معمر عن الزهري موافقة لرواية الجماعة، وأما ما في المصنف فينظر فيه!! ويؤكد هذا أيضا أن البزار قال في مسنده: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا، وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا عن عامر عنه، ولا نعلم رواه عن عامر بن سعد، إلا الزهري، ولا عن الزهري، إلا معمر، ولا عن معمر، إلا عبد الرزاق... اهـ.
ولذلك، فإنه ينبغي التنبيه على أن تصحيح بعض المعاصرين لحديث المصنف عن عائشة: فيه نظر، كما صححه محققوا مسند أحمد طبعة الرسالة:41ـ 81 ـ ونبيل البصارة في تخريج أحاديث فتح الباري: 2ـ 1408ـ وعبد الله العتيبي في شرح فصول الآداب: ص: 313.
ومما روي في معنى ما جاء في السؤال، ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق: من طريق إبراهيم بن أبي يحيى المديني عن رجل عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: كانت البغال تتناسل وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لتحرق إبراهيم، فدعا عليها فقطع الله أرحامها ونسلها، وكانت الضفادع مساكنها النفقان فجعلت تطفئ النار عن إبراهيم فدعا لها فأنزلها الماء، وكانت الأوزاغ تنفخ عليه النار وكانت أحسن الدواب فلعنها فصارت ملعونة، فمن قتل منها شيئا أجر.
وذكره المقريزي في المقفي الكبير: 1 ـ 25ـ وإسناد تالف، الأصبغ بن نباتة، وإبراهيم بن أبي يحيى: كلاهما متروك.
والخلاصة أن الحديث المسئول عنه لا يصح، وإن كان قتل الضفدع قد نُهي عنه في أحاديث أخرى، دون ذكر التعليل المذكور في هذا الحديث، منها حديث أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
ومنها حديث عبد الرحمن بن عثمان: أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع، يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها. رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني.
والله أعلم.