الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات والخصومات -كالتركات وغيرها- إنما هو من شأن القضاء الشرعي الذي يتولى النظر، والتحقيق والتدقيق، والبحث في البينات، وبقية الأمور المتعلقة بالقضية، وليس ذلك من اختصاص المفتين، والفتوى لا تغني شيئا في قضايا الخصومات، ولا ترفع النزاع.
والحكم في أي قضية نزاع، يفتقر إلى السماع من طرفي القضية، ومعرفة ملابسات القضية والإحاطة بجوانبها، ولا يصح البتة الحكم بناء على قول طرف واحد.
فالذي ينبغي هو الرجوع إلى القضاء الشرعي؛ للبت والفصل في مثل هذا الموضوع.
وقد ذكرنا ضمن التعريف بمنهجية الفتوى في موقعنا: ( الاعتذار للسائل، وإحالته للقضاء الشرعي في مسائل الخصومات، والمناكرات).
لكن نبين لك مسائل تتعلق بما سألت عنه:
الأولى: أن العقد الصوري الذي لا يقصد العاقدان حقيقته، لا اعتبار له، ولا يعد عقدا صحيحا شرعا، كما بيناه في الفتوى رقم: 111846.
فالتنازل الصوري في الأوراق الرسمية دون قصد الهبة حقيقة، لا يعد هبة صحيحة، وتظل الأرض باقية على ملك أصحابها، ولا يؤثر فيها ذلك التنازل.
الثانية: أن مجرد الحيازة والتقادم، ليس سببا شرعيا لانتقال ملكية الأرض من مالكها الأصلي إلى واضع اليد عليها -وإن كان شريكا في الإرث-.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن الحق لا يسقط بالتقادم، ولم يفرق جمهور الفقهاء في سماع الدعوى بين ما تقادم منها، وما لم يتقادم. اهـ.
الثالثة: أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة، لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، باتفاق المسلمين.
قال ابن تيمية: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أم سلمة: {إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار}.
وقد اتفق المسلمون على أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة، لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، فلو حكم بمال زيد لعمر؛ لإقرار، أو بينة كان ذلك باطلا في الباطن، ولم يبح ذلك له في الباطن، ولا يجوز له أخذه مع العلم بالحال، باتفاق المسلمين.
وكذلك عند جماهير الأمة لو حكم بعقد أو فسخ نكاح أو طلاق وبيع، فإن حكمه لا يغير الباطن عندهم، وإن كان منهم من يقول: حكمه يغير ذلك في هذا الموضع؛ لأن له ولاية العقود والفسوخ. فالصحيح قول الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر فقهاء أهل الحجاز، والحديث، وكثير من فقهاء العراق .اهـ. من مجموع الفتاوى.
الرابعة: أن دعوى والدتك أن بعض الأرض قد اشتراها والدك، لا تقبل شرعا إلا إن أقامت بينة على ذلك، أو أقر لها أصحاب الحق بذلك.
والله أعلم.