الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالأصل أن المسلم لا يدخل المطاعم التي تقدم فيها الخمور، من باب إنكار هذا المنكر والبعد عن رؤيته، فإن احتاج إلى الطعام من هذه الأماكن فيسعه أن يشتري وينصرف ولا يجلس في مكان تشرب فيه الخمر، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: من سائل في العراق عن حكم دخول بار يعني مطعم ومشرب، يحتوي البار على المأكولات والخمور، وكان الهدف هو تناول الطعام فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر لا يجوز، بل هو محرم، لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يعصى فيه الله عز وجل فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ـ ولكن إذا كنت في ضرورة ـ ولا أعتقد أن تكون في ضرورة إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث ـ لكن إن كنت في ضرورة فاشتر طعاماً وابتعد عن هذا المكان وكله، وإن كنت تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث فإن ذلك هو الواجب عليك. اهـ.
وقريب من هذا ما سبق أن أجبنا به في الفتويين رقم: 7179، ورقم: 64040.
وإن احتاج المسلم حاجة معتبرة للجلوس في مثل هذا المطعم، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، بل يجلس على مائدة أخرى، ولا يخفى أن الضرورة أو الحاجة أقرب إلى المسلم الذي لا يعيش في بلاد المسلمين، ولذلك لما سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال: نحن نذهب إلى بعض المطاعم الإسلامية في بلاد الكفر أثناء الرحلات الخارجية، ثم نجد أنهم يقومون بتقديم الخمور، فما حكم الأكل في هذه المطاعم؟ كما أننا نجد خموراً إما بصورة مخفية أو بصورة ظاهرة في غرف الفندق التي ننزل بها، فما الواجب علينا فعله تجاه هذا الأمر؟ أجاب بقوله: أولاً: لا تسكنوا في هذه الفنادق إلا للحاجة مادام يعلن فيها شرب الخمر، ولا تأكلوا في هذه المطاعم إلا لحاجة، وإذا احتجتم فمن السهل أن تقولوا للخدم: انزعوا هذا وأبعدوه، سواء في الفندق أو المطعم. اهـ.
وعلى نحو هذا السؤال أجاب الأستاذ الدكتور سعود الفنيسان العميد السابق لكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بقول: إذا وجدت مطاعم أخرى لا تقدم فيها المشروبات الكحولية أو المأكولات المحرمة، فلا يجوز الذهاب إلى مثل هذه المطاعم، لأن في ذلك دعماً لها وإعانة على الإثم والعدوان، أما إذا لم توجد في البلد مطاعم تقدم الحلال، ويمكن الوصول إليها دون مشقة، فلا حرج عليك ـ إن شاء الله ـ ويتعين عليك عند الذهاب إليها أن تنصح أصحابها بالامتناع عن تقديم الحرام، ولتكن النصيحة باللين والحكمة، فإن قبل منك فالحمد لله، وإن لم يقبل نصحك فلا شيء عليك حينئذ، ومادام المسلم لم يأكل أو يشرب حراماً، ولم يجلس على مائدة الحرام، فلا إثم عليه ـ إن شاء الله ـ والمائدة المذكورة في الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائده يدار عليها الخمرـ أخرجه الترمذي وغيره، هي ما يوضع على الطاولة من طعام وشراب، فمن جلس على مائدة حلال، وقريباً منه مائدة أخرى فيها خمر، فلا إثم عليه، مادام منكراً للمنكر بقلبه أو لسانه، وكثيراً ما يحصل مثل هذا في المطاعم المختلطة بين المسلمين والكفار، وخاصة في البلاد التي تعيش فيها الأقليات المسلمة في أنحاء العالم، وفقنا الله وإياكم إلى كل خير وثبتنا عليه. اهـ.
وبنحو ذلك أجاب الدكتور الشريف حمزة الفعر عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، فقال: غالب المطاعم في الغرب ـ إن لم تكن كلها ـ تقدم الخمور، فإن وجدت مطعماً لا يقدم ذلك وتمكنت من الأكل فيه فهذا هو المتعين، وإن لم تجد أو احتجت في بعض الظروف للأكل في هذه المطاعم التي تقدم الخمور، فلا تأكل في الجانب الذي تقدم فيه الخمور، ولا تجلس على مائدة فيها الخمر. اهـ.
وسئل الدكتور عبد الله بن بيه: دُعيتُ إلى مطعم للأكل، والمشكلة أن المطعم يقدم المشروبات الكحولية، فهل يجوز أن يذهب المسلمون إلى تلك المطاعم للأكل؟ فأجاب: الأصل أن المسلم لا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، كما ورد في الحديث الصحيح النهي عن ذلك... لكن إذا كانت فيه فهذا من محرمات الوسائل التي يقول عنها العلامة ابن القيم إنها تجيزها الحاجة، يقول: إن محرمات الوسائل ليست كمحرمات المقاصد، فمحرمات الوسائل تجيزها الحاجة، ومحرمات المقاصد لا تجيزها إلا الضرورة، فهذا من هذا النوع ولهذا عبر بعض العلماء عن محرمات الوسائل بأنها من باب المكروهات، فإذا كان يحتاج إلى أن يجلس في مثل هذا المطعم فلا يجلس على المائدة التي يدار عليها الخمر، وإذا جلس عليها لا يجلس بأبنائه الصغار الذين قد يتأثرون من ذلك المشهد، فإذا هو احتاج وكان لا يجد مكاناً ليأخذ فيه وجبة طعامه إلا في هذه الأمكنة فالأمر يدور على المشقة وعلى الحاجة، مع أن النهي وارد، وقد يحمل على الكراهة ويحمل على التحريم، لكنه من باب تحريم الحاجات، ومن باب تحريم الوسائل والضرائر، وما كان كذلك فإنه يرتفع بالحاجة، كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله. اهـ.
وأما الترويج لتلك المطاعم: فقد علمت أن الجلوس فيها أصلا مبني على الحاجة، ولا حاجة للترويج لها، فلا تروج لها ولا تدعو أحدا إليها، وراجع في تسمية النصارى بالمسيحيين الفتوى رقم: 17225.
والله أعلم.