الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج نعمة عظيمة، امتنّ الله بها على عباده، وفيه من المصالح الدينية والدنيوية ما لا يخفى على عاقل، وليس هو من باب المعاوضات المحضة، ولكنه ارتباط وثيق وميثاق غليظ، وازدواج ومشاركة، مبناها على المودة والرحمة، قال تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً. [الروم:21]
قال ابن كثير -رحمه الله-: فلا ألفة بين روحين، أَعْظَمُ مِمَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.." تفسير ابن كثير (3/ 474)
وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»
وفي سنن ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ، خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»
وقال الدهلوي -رحمه الله-: اعْلَم أَن الارتباط الْوَاقِع بَين الزَّوْجَيْنِ أعظم الارتباطات المنزلية ....، وأكثرها نفعا، وأتمها حَاجَة؛ إِذْ السّنة عِنْد طوائف النَّاس عربهم وعجمهم، أَن تعاونه الْمَرْأَة فِي اسْتِيفَاء الارتفاقات، وَأَن تتكفل لَهُ بتهيئة الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس، وَأَن تخزن مَاله، وتحضن وَلَده، وَتقوم فِي بَيته مقَامه عِنْد غيبته، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لَا حَاجَة إِلَى شَرحه وَبَيَانه" حجة الله البالغة.
وعليه، فما يبذله الرجل في سبيل الزواج من المال، فهو يسير في مقابل المصالح المترتبة على الزواج، وكون الزوج ملزماً بالنفقة على زوجته، فهو من العدل الظاهر، فإنّ الزوجة محبوسة لحق زوجها.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "...وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب، فلا بد من أن ينفق عليها. اهـ.
مع التنبيه إلى أنّ النفقة الواجبة على الزوج، هي قدر الكفاية من المطعم والمسكن، والكسوة بالمعروف، وما عدا ذلك من الكماليات فليس واجباً عليه، ولكنه من باب الإحسان، وراجع الفتوى رقم: 105673.
وأمّا المهر، فهو تكريم لشأن المرأة، وإظهار للرغبة فيها، وقد سبق لنا بيان الحكمة من مشروعيته في الفتوى رقم:
174175، فراجعها.
والله أعلم.