الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز للأب عند الجمهور أن يرجع فيما وهبه لولده إذا كان باقياً، ولم يتعلق به حق غيره، ولم يزد زيادة متصلة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ لأحدٍ أَنْ يُعْطِي عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ.. رواه الترمذي.
قال ابن قدامة رحمه الله: ...للأب الرجوع فيما وهب لولده، وهو ظاهر مذهب أحمد.... وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور.
وقال: وللرجوع في هبة الولد شروط أربعة:
أحدها: أن تكون باقية في ملك الابن....
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد....
الثالث: أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد.....
الرابع: أن لا تزيد زيادة متصلة... اهـ
فعلى قول الجمهور يجوز لأبيك أن يرجع فيما وهبه لك من المال، لكن إذا كان وهب لأختك مثل هذا المبلغ، فقد فضلها عليك في الهبة، وهذا غير جائز على القول الراجح عندنا، والواجب عليه أن يسوي بينكما في الهبة، والتسوية تكون بإعطائك مثل ما أعطاها، أو برد ما أعطى أختك كما رد عطيتك، قال ابن قدامة رحمه الله: فإن خص بعضهم بعطيته أو فاضل بينهم فيها إثم ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر. اهـ
أمّا المهر الذي أودعته إياه، فلك مطالبته به عند الجمهور، قال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير على متن المقنع: وليس للابن مطالبة أبيه بدين..... وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي له ذلك، لأنه دين ثابت فجازت المطالبة به كغيره. اهـ
واعلمي أنّ الهدية نوع من الهبة فلها أحكامها وشروطها، إلا أنّ بعضهم فرق بينهما بأن الهبة تفتقر إلى القبول بخلاف الهدية، قال العمراني رحمه الله: الهبة والهدية وصدقة التطوع حكمها واحد، وكل لفظ من هذه الألفاظ يقوم مقام الآخر. اهـ
وقال ابن قدامة صاحب الشرح الكبير على المقنع: والهدية والصدقة نوعان من الهبة، والهبة والعطية تشمل الكل، وكذلك النحلة، ومعانيها كلها متقاربة، إلا أنه في الغالب من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاجين، سمي صدقة، وإن دفع إلى غير محتاج للتقرب والمحبة فهي هبة، ومن بعث على هذا الوجه إلى إنسان مع غيره سمي هدية، وكل ذلك مستحب مندوب إليه، وأحكام ذلك أحكام الهبة، ويشترط لها ما يشترط من الشروط على ما سبق. اهـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: والصلة بين الهبة والهدية أن كلا منهما تمليك في الحياة بلا عوض، غير أن الهبة يلزم فيها القبول عند أكثر الفقهاء، ولا يلزم ذلك في الهدية. اهـ
وقد فرق بينهما الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ بأن الهدية يقصد بها التودد والتحبب إلى الشخص دون النفع، ولهذا تُهدي لإنسان غني أغنى منك، أما الهبة فيقصد بها نفع الموهوب له فقط. اهـ
والله أعلم.