الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الفتوى التي نقلتها عن إمام المسجد فهي مأخوذة مما ذكر عن مذهب سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ وقد نقله عنه ابن كثير في تفسيره، فقال: روي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن! واستدل بقوله تعالى: ونساء المؤمنين ـ وقوله: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين. اهـ.
وقد سبق لنا نقله والجواب عنه في الفتوى رقم: 47076، بكون هذا لا تعارض به الأدلة الصريحة الثابتة، ولا تقيد به الأدلة المطلقة، وهذا على فرض ثبوته عن سفيان ـ رحمه الله ـ وإلا فثبوته يحتاج إلى نظر وبحث، وابن كثير رحمه الله قد ذكره بصيغة التمريض.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 115776، 47730، 54169.
وقال العلامة ابن القطان الفاسي في كتابه إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر: مسألة: فإن كانت هذه الأجنبية الحرة كافرة، هل هي في جواز نظر الرجال إليها كالمؤمنة؟ أو أقل حرمة؟ يظهر في ذلك: مثل المؤمنة، ولا أعرف خلاف ذلك، وإنما وجب أن تكون مثلها لتساويها في تحريك الشهوة، وتعرض الناظر إليها للفتنة، بل ربما كانت النفس بما تعلم من هوى مَن لا وازع له، أسرع إلى الافتتان بها. اهـ.
وأما الحكمة من الأمر بغض البصر: فراجع في بيانها الفتوى رقم: 149791، وهي تتلخص في قوله تعالى: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ـ بعد أن أمر بغض البصر فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور: 30}.
قال المراغي في تفسيره: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ـ أي ما ذكر من غض البصر وحفظ الفرج أطهر من دنس الريبة وأنفع دينا ودنيا، فقد قالوا: النظر بريد الزنا ورائد الفجور، ولله در شاعرهم:
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها ... فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء مادام ذا عين يقلّبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر. اهـ.
وقال الزحيلي في التفسير المنير: قال تعالى مبينا حكمة الأمر بالحكمين: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ـ أي إن غض البصر وحفظ الفرج خير وأطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم، كما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته، أو في قلبه ـ وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها ـ وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه ـ وأزكى الذي هو أفعل التفضيل للمبالغة في أن غض البصر وحفظ الفرج يطهران النفوس من دنس الرذائل، والمفاضلة على سبيل الفرض والتقدير، أو باعتبار ظنهم أن في النظر نفعا. اهـ.
والله أعلم.