الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين هذه الفتاوى أي تعارض أصلا، فالوسوسة قد تكون ناشئة عن غير الشياطين كما ذكرنا، ومن ثم فلا يلزم أن يشفى مريضها في رمضان، والتصفيد عند بعض العلماء معناه تقليل حركتها لا إعدامها بالكلية، وعليه فلا يمتنع أن يتوصلوا بنوع وسوسة في رمضان، وبعض العلماء يرى أن الذي يصفد هم مردة الجن لا عموم الشياطين.
وبكل حال فمريض الوسوسة عليه أن يعرض عن الوساوس ويتجاهلها، فإن هذا هو علاجها أيا كان سببها، والنفوس الخبيثة من أنفس الجن والإنس التي تزين الشر وتسوله، وأما القرين فمن يقول من العلماء إن الذي يُصَفَّد هم المردة فذلك يقتضي أنه يبقى يوسوس لصاحبه في رمضان، ومن يقول بالعموم فإنه لا يلزم ألا يوسوس بالمرة، بل يضعف تأثيره وتقل وسوسته، ولا يلزم أن تنعدم بالكلية، قال في فتح الباري نقلا عن القرطبي: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا، فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ ـ أي: سلسلت ـ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ, أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لا كُلُّهُمْ كَمَا جاء فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ, أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ، وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس، فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ, إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة، لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيّة. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: المعاصي التي تقع في رمضان لا تنافي ما ثبت من أن الشياطين تصفد في رمضان، لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها، ولذلك جاء في الحديث: تصفد فيه الشياطين، فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره ـ وليس المراد أن الشياطين لا تتحرك أبداً، بل هي تتحرك، وتضل من تضل، ولكن عملها في رمضان ليس كعملها في غيره. انتهى.
وتنظر الفتوى رقم: 39863.
والله أعلم.