الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في من وجبت عليه كفارة يمين: هل المعتبر في التكفير وقت الوجوب أم وقت الأداء؟
فإن قلنا: المعتبر وقت الوجوب- كما هو قول الحنابلة، وأحد أقوال الشافعي-، فالواجب عليك هو الصيام، ثم إن انتقلت إلى الإطعام جاز؛ لأنه الأصل، وعليه؛ فأنت مخير بينهما.
وأما إن قلنا: المعتبر وقت الأداء -كما هو رواية عن أحمد، وقول أبي حنيفة، ومالك-، فلا يجزئك إلا الإطعام، وهذا القول أحوط، وأبرأ للذمة.
وزيادة للتفصيل ننقل كلام صاحب المغني للفائدة، فإنه قال: وَالِاعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَةِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ، فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: إذَا حَنِثَ، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ، فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ عَبْدٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَحَنِثَ فِيهَا، وَهُوَ عَبْدٌ، فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ، أَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَوْ كَفَّارَةَ عَبْدٍ؟
قَالَ: يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكَفِّرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ حَنِثَ، لَا يَوْمَ حَلَفَ، قُلْت لَهُ: حَلَفَ وَهُوَ عَبْدٌ، وَحَنِثَ وَهُوَ حُرٌّ؟
قَالَ: يَوْمَ حَنِثَ، وَاحْتَجَّ، فَقَالَ: افْتَرَى وَهُوَ عَبْدٌ، أَيْ ثُمَّ أُعْتِقْ، فَإِنَّمَا يُجْلَدُ جَلْدَ الْعَبْدِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ؛ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يُعْتَبَرُ يَسَارُهُ وَإِعْسَارُهُ حَالَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ: فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا حَالَ الْوُجُوبِ، اسْتَقَرَّ وُجُوبُ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِعْسَارِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الرَّقَبَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الِاعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، فَمَتَى وَجَدَ رَقَبَةً فِيمَا بَيْنَ الْوُجُوبِ إلَى حِينِ التَّكْفِيرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ، وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ مَالٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَغْلَظُ الْحَالَيْنِ، كَالْحَجِّ.
وَلَهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ، أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهِ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، كَالْوُضُوءِ... إلى أن قال: إذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَإِنَّهُ إذَا أَيْسَرِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الْإِعْتَاقِ، جَازَ لَهُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ... فَأَمَّا إنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعَجْزُ حَتَّى شَرَعَ فِي الصِّيَامِ، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْعِتْقِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. انتهى مع حذف ما لا حاجة إليه.
فإذا تبين لك هذا؛ وأنك مخير على قول الحنابلة، وأن الواجب عليك الإطعام على قول أبي حنيفة، ومالك، وأنه هو الأحوط، فإن الواجب في الإطعام، وكيفيته حيث أردت التكفير به قد بيناه مستوفى في الفتوى رقم: 313702.
ويجوز توكيل من يخرج صدقة الفطر في دفعها، بشرط أن تعلمه أنها كفارة يمين حتى يدفعها لعشرة أشخاص.
وأما مجرد وضعها في الصندوق، مع عدم مراعاة تمليكها لعشرة أشخاص، فلا يجزئ عند الجمهور.
والله أعلم.