الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نص الآية هو: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {آل عمران:161}.
والمراد بالغلول الخيانة في المغنم، قال ابن قتيبة: سمي بذلك، لأن آخذه يغله في متاعه ـ أي يخفيه ـ ويطلق على مطلق الخيانة.
جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: غُلُولٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَاللَّامِ أَصْلُهُ الْخِيَانَةُ، لَكِنَّهُ شَاعَ فِي الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ. اهـ.
ومعنى الآية أن الغال يأتي يوم القيامة حاملا الشيء الذي غله معه، كما في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس، على رقبته شاة. الحديث.
وفي تفسير الطبري: عن قتادة، في قوله: وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة {آل عمران: 161} قال قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا غنم مغنما، بعث مناديا: ألا لا يغلن رجل مخيطا فما دونه، ألا لا يغلن رجل بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء، ألا لا يغلن رجل فرسا، فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حمحمة. اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره: أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوباً بصوته، وموبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة. اهـ.
وقيل: إنه يأتي حاملا إثمه، وقيل: إنه يمثل له في النار مثال ما غل ثم يكلف بحمله يوم القيامة، فقد جاء في البحر المحيط في التفسير: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ـ ظاهر هذا أنه يأتي بعين ما غل، ورد ذلك في صحيح البخاري ومسلم ففي الحديث ذكر الغلول وعظمه وعظم أمره، ثم قال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول: يا رسول الله؛ أغثني فأقول: ما أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك ـ الحديث، وكذلك ما جاء في حديث ابن اللتبية: والذي نفسي بيده؛ لا يأخذ أحد منها شيئا إلا جاء به يحمله يوم القيامة على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ـ وروي عنه أيضا: وفرس له حمجة ـ وفي حديث مدعم: إن الشملة التي غلت من المغانم يوم حنين لتشتعل عليه نارا ـ ومجيئه بما غل فضيحة له على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ـ وقال الكلبي: يمثل له ذلك الشيء الذي غله في النار، ثم يقال له: انزل فخذه، فينزل فيحمله على ظهره، فإذا بلغ صومعته وقع في النار، ثم كلف أن ينزل إليه فيخرجه، يفعل ذلك به، وقيل: يأتي حاملا إثم ما غل، وقيل: يؤخذ من حسناته عوض ما غل، وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم الغلول والوعيد عليه. اهـ.
وفي تفسير الخازن: معاني التنزيل: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ـ يعني بالشيء الذي غله بعينه يحمله على ظهره يوم القيامة ليزداد فضيحة بما يحمله يوم القيامة، وقيل: يمثل ذلك الشيء في النار ثم يقال له: انزل فخذه، فينزل فيحمله على ظهره، فإذا بلغ موضعه وقع ذلك الشيء في النار فيكلف أن ينزل إليه ليخرجنه، يفعل به ذلك ما شاء الله، وقيل: معناه أنه يأتي بإثم ما غله فيجازى به يوم القيامة. اهـ.
والله أعلم.