الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة؛ ليختبر الإنسان في هذه الدنيا، ثم يجازيه في الدار الآخرة، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك: 2}.
فما يحصل للإنسان من الحزن، والألم بفقد الأحبة، وحصول الآلام والمصائب، فهو من لوازم وجوده في هذه الدنيا، وعليه أن يصبر على ذلك، ويعلم أنّ هذه الدنيا قصيرة، سرعان ما تمر، ثم تعقبها الدار الآخرة التي هي دار الجزاء، قال ابن القيم -رحمه الله-: فأما اللَّذَّات الْحَقِيقِيَّة: فلهَا دَار أخرى وَمحل آخر غير هَذِه، فوجود هَذِه الآلام وَاللَّذَّات الممتزجة المختلطة، من الأدلة على الْمعَاد، وَأَن الْحِكْمَة الَّتِي اقْتَضَت ذَلِك هِيَ أولى باقتضاء دارين: دَار خَالِصَة للذات، لَا يشوبها ألم مَا، وَدَار خَالِصَة للآلام، لَا يشوبها لَذَّة مَا، وَالدَّار الأولى: الْجنَّة، وَالدَّار الثَّانِيَة: النَّار.
فلا يظلم الله العبد مثقال ذرة، بل يعطي الجزاء العظيم على صبره على البلاء، حتى يتمنى الناس يوم القيامة أنهم كانوا من أشد الناس بلاء في الدنيا، حين يرون جزاء أهل البلاء، ففي سنن الترمذي عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلاَءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ.
وحين يلقى العبد ثواب صبره على البلاء في الآخرة، ينسى كل ما لاقاه في الدنيا من المصائب، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.
فأقبلي على الله، وكوني على يقين بأنّه تعالى أعلم بمصالحنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، فاستعيني بالله، وتوكلي عليه، ولا تستسلمي لوساوس الشيطان، واعلمي أنّك إذا اتقيت الله، وأحسنت تربية أولادك، وكانوا صالحين، نفعك الله بذلك نفعًا عظيًما، وإن كانوا غير ذلك، فلا يضرونك.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات النفسية بموقعنا.
والله أعلم.