الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإذا كانت تكلفة الحج تزيد على التكلفة المعتادة، أو ما يسميه الفقهاء بثمن المثل، لم يجب الحج، ولا يعتبر المرء مستطيعا حينئذ. ولا شك أن الكلفة بالصورة المذكورة في السؤال، من خمسة آلاف، إلى مائة ألف، تزيد على أجرة، أو ثمن المثل، بل ربما تجحف بمال مريد الحج؟!
قال الإمام النووي في المجموع: فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ تَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِمِثْلِهِ، بِثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، أَوْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَوْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِهَا، أَوْ أُجْرَتِهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ. اهـ.
ومثله قول ابن قدامة في اشتراط الزاد للحاج، كي يكون مستطيعا: فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُهُ، أَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ، ... اهــ.
ويرى فقهاء المالكية أنه ما دام قادرا على التكلفة الزائدة على أجرة المثل، فإنه يلزمه الحج.
قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: أَطْلَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِ الْمَرْكُوبِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِوُجُودِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُمْ بِأَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ.
فأنت ترى أن الفقهاء مختلفون في وجوب الحج إذا زادت كلفته على أجرة المثل، أو ثمن المثل، ومن وسع الله تعالى له في المال، وبسط له منه، فلا شك أن ذهابه للحج أولى، ما دام قادرا ميسورا.
وأما قولك : "وهل زيادة التكلفة والمشقة تزيد في الأجر؟ " فالجواب: نعم، وانظر الفتوى رقم: 138846، والفتوى رقم: 54738.
والله تعالى أعلم.