الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسنن الرسول صلى الله عليه وسلم الفعلية في اصطلاح الصحابة والسلف الصالح هي: الطريقة التي كان عليها، سواء كانت فرضا أو نفلا، ويمكن القول بأن السنة الواجبة هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مما ثبت وجوبه بلا صارف يصرفه عن ذلك، قال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: السنّة لها اصطلاحان: اصطلاح عند الفقهاء، واصطلاح في لغة الصحابة وسلف الأمة، فالسُّنَّة عند سلف الأمة وعند الصحابة هي: الطريقة التي كان عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم سواء كانت واجبة أم مستحبة، ومن ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه: من السنّة إذا تزوج البكر على الثيب أن يقيم عندها سبعاً ـ فهذه سنّة واجبة، وقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حين سئل عن الرجل يصلي مع الإِمام المقيم أربعاً، وإذا صلّى وحده وهو مسافر صلّى ركعتين قال: تلك هي السنّة ـ أي: السنّة الواجبة، أما في اصطلاح الفقهاء فهي: التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. انتهى.
ومن أمثلة السنن الفعلية المستحبة: صلاة التراويح، والنوم على الشق الأيمن... كما هو معلوم، وضابط السنن الفعلية غير الواجبة في اصطلاح بعض الفقهاء وخاصة المالكية ومن وافقهم هي: ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله، وأمر به دون إيجاب، وأظهره في جماعة، وبعض أصحاب الإمام مالك يسمي السنة المذكورة واجبا، وعليه جرى ابن أبي زيد في الرسالة حيث يقول: سنة واجبة ـ يعني بها السنن المؤكدة، وهي دون الفرض وفوق المستحب، قال العلوي في المراقي:
وسنةٌ ما أحمدٌ قد واظبا عليه والظهورُ فيه وجبا
وبعضهم سَمّى الذي قد أُكّدا منها بواجب، فخذ ما قُيّدا.
وربما شمل قولهم: سنة واجبة ـ الفرض، ولكنهم في هذه الحالة يعبرون عن الفرض منها بقولهم: واجبة وجوب الفرائض، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وكذلك طهارة الثوب، فقيل إن ذلك فيهما واجب وجوب الفرائض، وقيل وجوب السنن المؤكدة.
وهي وإن كانت سنة وليست بفرض، لكن لا يجوز ترك العمل بها بالكلية، أو التواطؤ على ذلك، جاء في شرح زروق لرسالة ابن أبي زيد القيرواني: ومعنى سنة واجبة ـ أنها سنة يجب العمل بها بحيث لو اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا لامتناعهم منها.
ومن أمثلة السنن الفعلية المؤكدة: الأذان، وصلاة الوتر، وصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، والعمرة، وطواف الوداع، والغسل للجمعة، والأضحية، والعقيقة، والختان: للذكور...
والله أعلم.