الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمر التركات وسائر الحقوق المشتركة أمر خطير وشائك، فينبغي رفعه للمحاكم الشرعية؛ للنظر والتحقيق والتدقيق، وإيصال الحقوق لذويها. ولا يمكن الاكتفاء في مثل هذا الأمر بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، خاصة إذا كانت متشابكة، ومتطاولة الزمان، ومتعددة الأطراف. والذي يسعنا هنا أن نبين للسائل الأمور العامة المتعلقة بسؤاله، في النقاط التالية:
- الأولى: لا يجوز حرمان البنات من نصيبهم من التركة، سواء أكانت أراضي أم عقارات، أم منقولات أم غير ذلك. ومن فعل ذلك فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى الذي أعطى كل ذي حقه من الميراث، وبيَّن أنصبة المواريث في كتابه، ثم قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:14،13}.
قال السعدي: أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث، حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
فحرمان أي وارث من نصيبه، أو منعه من التصرف فيه ـ من كبائر الذنوب، ومن الظلم البين، والتعدي الواضح لحدود الله تعالى. وفي حرمان البنات على وجه الخصوص مع ما تقدم: مشابهة لحال أهل الجاهلية، وتضييع لوصية النبي صلى الله عليه وسلم القائل: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه وأحمد. وصححه البوصيري، وحسنه النووي والألباني.
قال النووي في (رياض الصالحين): معنى "أحرج": ألحق الحرج ـ وهو الإثم ـ بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. اهـ.
وهذا الحق في الميراث لا يسقط بالتقادم، فإن مات المستحق لنصيب من التركة، انتقل حقه كاملا لورثته هو دون غيرهم.
- الثانية: أن الميت إن ترك أولادا ذكورا وإناثا، سواء أكانوا من أم واحدة أو أمهات شتى، فإنهم يقتسمون نصيب الأولاد بينهم جميعا، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11].
- الثالثة: الزيتون المغروس في الأرض، يختلف حكمه باعتبار إذن صاحب الأرض بهذا الغرس، أو عدم إذنه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 142451، 62734، 308059، 80227.
والله أعلم.