الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يفرج همكم، وينفس كربكم، ويصلح حال والدكم، وهو إن كان حقا على الحال الذي ذكرته، فهو قد جمع جملة من الشرور، بتفريطه في حق ربه، وفي حق خلقه.
ومن أولى ما نوصيكم به هو الدعاء له، فالله عز وجل قادر على أن يصلحه، ويهديه الصراط المستقيم، ويقيه شر نفسه وسيء عمله، وهو سبحانه السميع المجيب، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}، وكلما روعي في الدعاء شروطه وآدابه، كان ذلك أرجى للإجابة، وراجع هذه الشروط والآداب، في الفتوى رقم: 119608.
ونوصي أيضا ببذل النصح له، وليكن ذلك ممن يرجى أن يقبل قوله من العلماء والفضلاء؛ ليذكروه بالله تعالى، ويخوفوه من سوء عاقبة فعاله.
وينبغي أن يستغل ما ذكرت عنه من أمور طيبة كالأذان في المسجد، ومحافظته على الصلوات الخمس، ويبين له أنه ينبغي أن يكون لهذه الأعمال الجليلة أثر على سلوكه؛ لكونها تثمر التقوى والخوف من الله عز وجل، كما قال تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45}.
والأصل أنه لا يجوز لأمك الخروج من البيت بغير إذن منه، ولكن إن وجدت ضرورة لذلك، ومن ذلك دفع أذاه عنها، فلا حرج في خروجها بغير إذنه.
ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: يرى جمهور الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزوجية بلا إذن الزوج، إن كانت لها نازلة.......... وكذا إن ضربها ضربا مبرحا.... اهـ.
وكذا إخراج الصغار من أولاده إن تعين سبيلا لدفع أذاه. وأما البالغ، فله الخروج ولو أنثى، حيث كانت في مأمن.
ففي المدونة: قلت: أريت إذا احتلم الغلام، أيكون للوالد أن يمنعه أن يذهب حيث شاء؟ قال: قال مالك: إذا احتلم الغلام، فله أن يذهب حيث شاء، وليس للوالد أن يمنعه. اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وتسكن البالغة، العاقلة، غير الُمزوَّجَة حيث شاءت، ولو بكرا، والأولى لها بيت أحد أبويهما إن كانا مفترقين، وبيتهما إن كانا مجتمعين، أي سكناها به؛ لأنه أبعد عن التهمة. اهـ.
وهنالك خلاف بين الفقهاء في حكم منع الرجل زوجته من زيارة والديها، وقد أوضحناه في الفتوى رقم: 140257.
وعلى كل، لا ينبغي له أن يمنعها لغير معنى معتبر شرعا؛ لأنه بذلك يكون معينا على قطيعة الرحم.
وقد أحسنت بمسامحتك لوالدك فيما بدر منه تجاهك، ولا شك في أن هذا من البر. وصلتكم به واجبة على كل حال، سكنتم معه، أو بعيدا عنه، وتكون الصلة بما هو ممكن، فالمرجع في صلة الرحم إلى العرف، كما بين العلماء، وانظر الفتوى رقم: 222433.
والله أعلم.