الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطالما أن هذه المطاعم يعمل فيها مسلمون، فبإمكانك سؤالهم عن ذلك، ومعرفة مصدر هذه اللحوم، وطريقة تذكيتها؛ ليطمئن قلبك وتستريح، وهذا هو الأفضل والأحوط.
ويسعك ألا تسألهم، وتركن إلى أصل حل ما يبيعه المسلم من اللحوم، وأنه مذكى ذكاة شرعية، إلا إن دل دليل على غير ذلك.
وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين في اللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب، ثلاثة أحوال:
الأولى: أن نعلم أن ذبحه كان على الطريقة الإسلامية، فهذا حلال بلا شك.
والثانية: أن نعلم أن ذبحه على غير الطريقة الإسلامية، وهذا حرام بلا شك.
وقد سبق لنا ذكر هاتين الحالين في الفتوى رقم: 128816.
وأما الحال الثالثة، فقال عنها الشيخ -رحمه الله-: أن نعلم أن الذبح وقع، ولكن نجهل كيف وقع، بأن يأتينا ممن تحل ذبيحتهم لحم، أو ذبيحة مقطوعة الرأس، ولا نعلم على أي صفة ذبحوها، ولا هل سموا الله عليها أم لا، ففي هذه الحال المذبوح محل شك وتردد، ولكن النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي حله، وأنه لا يجب السؤال؛ تيسيرًا على العباد، وبناء على أصل الحل، فقد سبق «أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أتت بها إليه اليهودية»، «وأنه أجاب دعوة يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة»، وفي كلتا القضيتين لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية الذبح، ولا هل ذكر اسم الله عليه أم لا؟ وفي صحيح البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- «أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومًا أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه. قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر». فقد أحل النبي صلى الله عليه وسلم أكل هذا اللحم مع الشك في ذكر اسم الله عليه، وهو شرط لحله، وقرينة الشك موجودة، وهي كونهم حديثي عهد بالكفر، فقد يجهلون أن التسمية شرط للحل؛ لقرب نشأتهم في الإسلام، وإحلال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مع الشك في وجود شرط الحل (وهي التسمية)، وقيام قرينة على هذا الشك، وهي كونهم حديثي عهد بالكفر، دليل على إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل؛ لأن الأصل في الأفعال، والتصرفات الواقعة من أهلها الصحة.
قال في المنتقى بعد أن ذكر حديث عائشة السابق: وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة، إلى أن يقوم دليل الفساد. اهـ.
والله أعلم.