الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الصبر على المصيبة يثاب عليه صاحبه, وأكثر الصبر ثوابا ما كان عند بداية المصيبة.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: الصبر عند الصدمة الأولى ـ وفي الرواية الأخرى: إنما الصبر ـ معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل؛ لكثرة المشقة فيه. انتهى.
وفي عمدة القاري للعيني: وحاصل المعنى: أن الصبر الذي يكون عند الصدمة الأولى، هو الذي يكون صبرا على الحقيقة، وأما السكون بعد فوات المصيبة، ربما لا يكون صبرا، بل قد يكون سلواه، كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أول وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتة، فلا يكون السكون عند ذلك، والرضى بالمقدور إلا صبرا على الحقيقة. انتهى.
فهذا هو معنى الحديث.
أما قول السائل: ثم بعد أشهر طويلة، أو سنة بدأت تتراكم عليه مصائب، ولم يحسن التصرف. فليس بواضح.
وللفائدة ننقل كلام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في زاد المعاد على علاج المصائب, ومدافعتها, حيث يقول: ومن علاجها أن يعلم أن الجزع لا يردها، بل يضاعفها، وهو في الحقيقة من تزايد المرض.
ومن علاجها أن يعلم أن فوت ثواب الصبر والتسليم، وهو الصلاة والرحمة، والهداية التي ضمنها الله على الصبر، والاسترجاع، أعظم من المصيبة في الحقيقة.
ومن علاجها أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه، وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل، والثبور، والسخط على المقدور.
ومن علاجها: أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرّة، أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه، واسترجاعه فلينظر: أي المصيبتين أعظم؟: مصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد. وفي الترمذي مرفوعا: ( «يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا؛ لما يرون من ثواب أهل البلاء»). وقال: بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس. انتهى.
وتراجع لمزيد الفائدة الفتويان: 61485, 292390.
والله أعلم.