الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح للمضارب ولا لصاحب رأس المال أن يشترط لنفسه راتبا معلوما، وليس لأي منهما إلا نصيبه المتفق عليه من الربح إذا حصل.
قال ابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم، على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما، أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة ... وأجمع المسلمون جميعًا على أن المضاربة تفسد إذا اشترط أحدهما لنفسه دراهم معلومة، وكذلك إذا قال: الثلث إلا عشرة دراهم. بطلت المضاربة. اهـ.
ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر الإجماع الأول، ثم قال: وإنما لم يصح ذلك لمعنيين:
أحدهما: أنه إذا شرط دراهم معلومة، احتمل أن لا يربح غيرها، فيحصل على جميع الربح، واحتمل أن لا يربحها، فيأخذ من رأس المال جزءا. وقد يربح كثيرا، فيستضر من شرطت له الدراهم.
والثاني: أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء، لما تعذر كونها معلومة بالقدر، فإذا جهلت الأجزاء، فسدت، كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوما به.
ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة، ربما توانى في طلب الربح؛ لعدم فائدته فيه، وحصول نفعه لغيره، بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح. اهـ.
والمضاربة إذا فسدت، رجع رأس المال لصاحبه، والربح له والخسارة عليه، وأما المضارب فله أجرة مثله.
قال ابن قدامة في المغني في المضاربة الفاسدة: الربح جميعه لرب المال؛ لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً، ولكن له أجر مثله ... اهـ.
وأما إذا جُعل هذا المبلغ الذي يعطيه صاحب رأس المال للمضارب، على سبيل القرض لحين تحصيل الأرباح، فلا حرج في ذلك.
ويمكن أن يكون المخرج من قضية السؤال بأن يفسخ عقد المضاربة، ويعقد عقد إجارة بين صاحب رأس المال وبين هذا العامل، على أجرة معلومة، نظير إدارته للشركة، وليس له بعد هذه الأجرة من الأرباح شيء.
والله أعلم.