الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم في ذلك شيئا مرفوعا صريحا صحيحا، وأقرب ما روي في ذلك حديث أوس بن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فنزَّلوا الأحلاف على المغيرة بن شعبة، وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك في قبة له، فكان يأتينا كل ليلة بعد العشاء فيحدثنا قائما على رجليه ... فلما كان ذات ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلت: يا رسول الله، لقد أبطأت علينا الليلة، قال: "إنه طرأ علي حزبي من القرآن، فكرهت أن أخرج حتى أتمه". قال أوس: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل. رواه أحمد والطيالسي وابن أبي شيبة ابن أبي عاصم، وأبو داود في سننه، وبوب عليه: (باب تحزيب القرآن) وابن ماجه، وبوب عليه: (باب ما جاء في كم يستحب يختم القرآن) والبيهقي في شعب الإيمان، في فصل (مقدار ما تستحب فيه القراءة).
قال محمود السبكي في شرح أبي داود: المنهل العذب المورود: المراد أنهم كانوا يجعلون القرآن سبعة أحزاب:
الأول: ثلاث سور: "البقرة وآل عمران والنساء" ولم تعد الفاتحة لقصرها.
والثاني: خمس: من المائدة إلى التوبة.
والثالث: سبع من يونس لغاية النحل.
والرابع: تسع من الإسراء لغاية الفرقان.
والخامس: إحدى عشرة: من الشعراء لغاية يس.
والسادس: ثلاث عشرة، من الصافات لغاية الحجرات.
والسابع: حزب المفصل، من سورة ق إلى آخر القرآن.
وكانوا يقرؤون في كل يوم حزبًا. اهـ.
والحديث أورده ابن كثير في فضائل القرآن بإسناد أحمد، ثم قال: رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفى به. وهذا إسناد حسن. اهـ.
وضعفه الألباني والأرنؤوط بعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي هذا، فقد ضعفه غير واحد، وقواه آخرون.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الحديث يوافق معنى حديث عبد الله بن عمرو، في أن المسنون كان عندهم قراءته في سبع؛ ولهذا جعلوه سبعة أحزاب، ولم يجعلوه ثلاثة ولا خمسة، وفيه أنهم حزبوه بالسور، وهذا معلوم بالتواتر. اهـ.
وقد روي التحزيب في هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن؟ فقالوا: "كان يحزبه ثلاثا، وخمسا، وسبعا، وتسعا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل". رواه الطبراني في الكبير، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق.
وعزاه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء للطبراني، وقال: إسناده حسن. اهـ.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: إسناده جيد. اهـ.
وقال الطحاوي: قد ذكرنا في هذا: حديث أوس بن حذيفة، حرفا، يجب أن يوقف عليه، وهو قوله فيه: فقلت: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزب القرآن؟ ففي ذلك إضافة تحزيبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث غيره مما رجع إلى حديث أوس بن حذيفة، قال أوس: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ فأضاف التحزيب إليهم لا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم كيف الحقيقة في ذلك. اهـ.
والحديث ذكره الصالحي في (سبل الهدى والرشاد) في باب: (آدابه صلّى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن). في مسألة: (في قدر ما كان يقرأ من القرآن في كل ليلة).
وقال ابن قدامة في (المغني): يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام، ليكون له ختمة في كل أسبوع.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة، يقرأ في كل يوم سبعا، لا يتركه نظرا.
وقال حنبل: كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة. وذلك لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو: "اقرأ القرآن في سبع، ولا تزيدن على ذلك". رواه أبو داود. وعن أوس بن حذيفة - فذكر الحديث -.
ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عبد الله بن عمرو: في كم يختم القرآن؟ قال: في أربعين يوما. ثم قال: في شهر. ثم قال: في عشرين. ثم قال: في خمس عشرة. ثم قال: في عشر. ثم قال: في سبع. لم ينزل من سبع. أخرجه أبو داود. اهـ.
وقال ابن العراقي في (طرح التثريب): كان الصحابة -رضي الله عنهم- يختمونه في كل سبع، واستشهد بحديث أوس، وحديث ابن عمرو، ثم قال: وممن كان يختمه في كل سبعة أيام: تميم الداري، وعبد الرحمن بن يزيد، وإبراهيم النخعي، وعروة بن الزبير، وأبو مجلز، وأحمد بن حنبل، وامرأة ابن مسعود، واستحسنه مسروق. اهـ.
ومما روي في خلاف هذا التحزيب، حديث أنس قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة شيئا، فلما أصبح قيل: يا رسول الله! إن أثر الوجع عليك لبين، قال: "أما إني على ما ترون بحمد الله، قد قرأت البارحة السبع الطوال".
رواه البيهقي في الشعب، صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم على شرط مسلم ولم يتعقبه الذهبي. وحسنه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة. وقال الهيثمي في المجمع: رجاله ثقات. اهـ. وضعفه الألباني والأرنؤوط.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عم لحذيفة، عن حذيفة قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات".
وأما السؤال عن السنة في الختم، هل يبدأ يوم الجمعة ويختم يوم الخميس؟ فلا نعلم لتحري ذلك أصلا من السنة!
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن تأخير قراءة المعوذات عند الختم، ليوافق ذلك يوم الجمعة؟
فأجابت: السنة له أن يكمل ختم القرآن، ولا يؤجل قراءة المعوذتين إلى الجمعة ولا غيرها، بل ينهي الختمة متى وصل إلى المعوذتين، ثم يدعو بما فيه من الدعاء بعد حمد الله، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ اقتداء بالسلف الصالح، ثم يعود فيبدأ بالختمة الأخرى من الفاتحة، وهكذا. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 40989.
والله أعلم.