الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالصلاة لا تسقط عن المكلف بحالٍ، ويصلي على حسب استطاعته، ويأتي بما يُمْكِنُهُ من الأركان والشروط، ويسقط عنه ما يعجز عنه، أو يشق عليه مشقةً غير محتملة؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {سورة البقرة:286}، ولحديث: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ. رواه مسلم.
وإذا مُنِعَ من الصلاة -كما لو شُدَّ وثاقه- فإنه يصلي على حاله؛ لحرمة الوقت، ويعيد متى تمكن من أداء الصلاة بأركانها، قال الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع: إذَا رُبِطَ عَلَى خَشَبَةٍ، أَوْ شُدَّ وَثَاقُهُ، أَوْ مُنِعَ الْأَسِيرُ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ بِالْإِيمَاءِ، وَيَكُونُ إيمَاؤُهُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ.
أَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِمْ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ، كَالْمَرِيضِ ... اهــ.
وقد بينا في الفتوى رقم: 68393 أقوال الفقهاء في كيفية صلاة وصيام المسجون في مكان مظلم، ولا يمكنه معرفة الوقت، كما بينا في الفتوى رقم: 120600 كيفية طهارة فاقد الطهورين، وأنه يصلي ولو بدون وضوء وتيمم، وكذا من عجز عن إزالة النجاسة بالماء أو الاستجمار، فإنه يصلي وصلاته صحيحة، ولا شيء عليه، كما بيناه في الفتوى رقم: 280054، وما في تلك الفتاوى يغني عن الإعادة هنا.
والله تعالى أعلم.