الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا المال قد جمع ليصرف في سداد دين ذلك الرجل، والمال بعضه من الزكاة، إن لم يكن جميعه، وإذا كان كذلك، فإن كان الرجل لا يزال مستحقًّا للزكاة لغرمه، فلا بأس أن يعطى المال ليسدد دينه، ويبرئ ذمته.
وأما لو كانت الجهة الدائنة قد أبرأته من الدَّين، وليس عليه دَين سواه؛ فلا يعطى مال الزكاة حينئذ، ولا يعطى أيضًا من جمع من التبرعات غير الزكاة للغرم؛ لزوال الصفة قبل دفع المال إليه؛ إلا إذا كان المتبرعون قصدوا الصدقة عليه بالمال، فيعطاها، ولو زال عنه الوصف، قال الدردير -رحمه الله- في الشرح الكبير: وإن أعانه -أي: المكاتب- جماعة أو واحد ، فأدّى، وفضلت فضلة، أو عجز ، فإن لم يقصدوا بما أعانوه به الصدقة، بأن قصدوا فك الرقبة أو لا قصد لهم، رجعوا بالفضلة على العبد .. ، وإلا بأن قصدوا الصدقة على المكاتب، فلا رجوع لهم بالفضلة. انتهى بتصرف يسير.
والأولى أن يسأل المتبرعون عن نياتهم، وفيم تصرف أموالهم التي تبرعوا بها، أو ترد إليهم، قال الشيخ ابن عثيمين: والقاعدة عندنا في هذا: أن من أخذ من الناس أموالًا لشيء معين، فإنه لا يصرفها في غيره إلا بعد استئذانهم. انتهى.
فإن تعذر الرجوع إليهم، فتصرف في حالة مثل الحالة التي جمع المال لأجلها، أو أشد؛ مراعاة لمقصدهم.
وأما الزكاة فتصرف في مصارفها، وتؤدى لمن يستحقها من الغارمين، أو الفقراء والمساكين.
وعليه؛ فالمال المجموع على قسمين: منه مال زكوي، فيصرف للمستحقين فقط، وإذا كان الرجل لا يزال مستحقًّا لغرمه، فليعط ما جمع له لسَداد دَينه.
والقسم الثاني من المال: هو التبرعات المحضة، وتلك إن كان أصحابها قصدوا الصدقة على الرجل، فليعط المال أيضًا، وأما إن كانوا قصدوا الوصف وقد زال، فلا يعطى المال، بل يسألون إن أمكن، وإلا فيصرف المال في مثل الوصف الذي قصدوا.
وأما قولك: هل تأثمين لو طلبت منهم تسليمه جزءًا من المبلغ الذي شاركت به معهم كزكاة؟
فالجواب: ألا إثم عليك في ذلك، فيمكن إعطاؤه من الزكاة لوصف المسكنة والفقر، كما ذكرت من حاله، والمرء قد تجتمع فيه أوصاف يستحق بها الزكاة، كما لو كان غارمًا وفقيرًا، فيعطى لفقره ولغرمه، قال خليل في مختصره: وأخذ الفقير بوصفيه) كأن يكون فقيرًا ومديانًا، فإنه يأخذ بالوصفين، كما ذكر الدسوقي في حاشيته.
والله أعلم.