الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا التفل وتلك الاستعاذة، تشرع لمن كان في الصلاة، ولبس عليه الشيطان صلاته؛ لما في مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ؛ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ، وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ؛ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِّي.
وظاهر كلام النووي -رحمه الله- أنها تشرع كذلك لكل أحد وسوس له الشيطان، فإنه قال في شرح هذا الحديث: وَفِي هَذَا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وَسْوَسَتِهِ، مَعَ التَّفْلِ عَنْ الْيَسَارِ ثَلَاثًا. وَمَعْنَى يَلْبِسُهَا، أَيْ: يَخْلِطُهَا، وَيُشَكِّكُنِي فِيهَا، وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ.
وَمَعْنَى حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا: أَيْ: نَكَّدَنِي فِيهَا، وَمَنَعَنِي لَذَّتَهَا وَالْفَرَاغَ لِلْخُشُوعِ فيها. انتهى.
والتعوذ بالله عند وسوسة الشيطان مشروع لكل أحد، كما قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ {الأعراف:200}.
ومن كان في صلاته فعرض له الوسواس، فليتعوذ، وليتفل عن يساره ثلاثًا، ثم يمضي في قراءته وما يأتي به من الأذكار، سواء كان ذلك في الفاتحة أم غيرها، ولا يقطع ذلك التعوذ قراءته، قال النووي -رحمه الله-: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَتَى فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ بِمَا نُدِبَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا، كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ، وَسُجُودِهِ مَعَهُ لِتِلَاوَتِهِ، وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ، وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهَا، وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهِ، ونحو ذلك، فهل تنقطع مُوَالَاةُ الْفَاتِحَةِ؟ (فِيهِ وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ: (أَصَحُّهُمَا): لَا تنقطع، بَلْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَتَجْزِيهِ. انتهى.
والله أعلم.