الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه الاتفاقيات لا يقتصر حكمها في كل الأحوال على المشروعية، وبالتالي لزوم الوفاء بها! بل إنها تعتبر شرطا في صحة بعض العقود، كبيع السلم والاستصناع. والأصل في الشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ولا يبطل منها إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى): إذا كان حسن الوفاء ورعاية العهد مأمورا به، علم أن الأصل صحة العقود والشروط؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره، وحصل به مقصوده، ومقصوده هو الوفاء به، وإذا كان الشرع قد أمر بمقصود العهود، دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة ... اهـ.
وقال في موضع آخر: تصح الشروط التي لم تخالف الشرع في جميع العقود. اهـ.
وبعد الحكم بصحة مثل هذه الاتفاقيات في الجملة، فإنه يحسن التنبيه على أمر آخر، وهو مشروعية الشروط الجزائية في عقود التوريد والمقاولات بالنسبة للمورد والمقاول، للتعويض عن الأضرار الفعلية التي تقع بسبب عدم وفائهما بالشروط المتفق عليها. فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بموضوع الشرط الجزائي:
يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية، ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا الصريح. وبناء على هذا، فيجوز هذا الشرط - مثلاً - في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه. ولا يجوز - مثلاً - في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء، كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه. اهـ.
والله أعلم.