الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الوساوس، فعليك بمجاهدتها، والإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، ثم إن العلماء مختلفون في قضاء رمضان هل يجب قبل دخول رمضان التالي، أو هو على التراخي؟
فذهب الجمهور إلى الأول، وذهب أبو حنيفة إلى أنه على التراخي، فلا إثم عنده على من أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي. قال في البحر الرائق: (قَوْلُهُ: وَقَضَيَا مَا قَدَرَا، بِلَا شَرْطِ وِلَاءٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وَاَلَّذِي فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ، غَيْرُ مَشْهُورٍ، لَا يُزَادُ بِمِثْلِهِ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ، فَيُزَادُ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي، لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ، وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُطْلَقٌ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَمَعْنَى التَّرَاخِي عَدَمُ تَعَيُّنِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْفِعْلِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ شَرَعَ فِيهِ كَانَ مُمْتَثِلًا، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ. انتهى. وإذ أنت موسوسة، فلا حرج عليك في العمل بهذا المذهب، وتنظر الفتوى رقم: 181305.
لكن الذي ننصحك به -إن استطعت- هو أن تجاهدي هذه الوساوس، وتبادري بالقضاء، ولا تلتفتي إلى ما يعرض لك من الوسواس في فساد صومك؛ فإنه صحيح -إن شاء الله- ولا تعودي لقضاء شيء من تلك الأيام مهما عظمت عندك الوسوسة. نسأل الله لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.