الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الصدقات من جملة الأعمال الصالحة, وهناك علامات تدل على قبول الأعمال الصالحة، نصّ عليها أهل العلم, وقد سبق بيانها في الفتوى رقم: 238336.
وما تشعرين به من خوف عدم قبول الصدقة، لا يمنع قبولها, بل هو صفة حسنة، وصف الله تعالى بها المؤمنين السابقين إلى الخيرات؛ حيث قال تعالى مبينًا بعض صفاتهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ {المؤمنون:60، 61}.
ففي تفسير البغوي: والذين يؤتون ما آتوا، أي: يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات، روي عن عائشة أنها كانت تقرأ: «والذين يأتون ما آتوا» أي: يعملون ما عملوا من أعمال البر، وقلوبهم وجلة أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله، وأن أعمالهم لا تقبل منهم، أنهم إلى ربهم راجعون؛ لأنهم موقنون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل. قال الحسن: عملوا -والله- بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم. اهـ
وقال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء. وهذا من باب الإشفاق، والاحتياط، كما قال الإمام أحمد: عن عائشة؛ أنها قالت: يا رسول الله، {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل. انتهى.
أما الفرح بإخراج الصدقة, فلم نقف على قول لأهل العلم بكونه دليلًا على القبول, لكن فرح المسلم بالتوفيق لطاعة الله تعالى دليل على الإيمان، إن لم يصل إلى درجة العجب المذموم؛ لأن من سرته حسنته, وساءته سيئته, فهو مؤمن, كما في الحديث الصحيح؛ كما تقدم في الفتوى رقم: 191207.
وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 134953. وهي بعنوان: "أحوال الفرح بطاعة الله وحكم معاتبة النفس على تقصيرها".
والله أعلم .