الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فليس لوالدك الحق في منع قسمة التركة بين الورثة، ومن كان منهم بالغا رشيدا؛ كزوجتي المتوفى أو أمه أو أولاده البالغين من الذكور أو الإناث، فإن له الحق في أخذ نصيبه من الميراث، ولا يجوز منعه بحجة أنه سيضيعه، ولا يحجر عليه في التصرف في نصيبه. فالبالغون الرشداء لا حق لأحد ولو لوصي الأب ولا غيره في الحجر عليهم.
قال الخرشي: وَإِنَّمَا يُوصِي عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالسَّفِيهُ. اهـ
ومن منع وارثا حقه أو حجر عليه بغير حق فإنه عاص لله تعالى، ويُرفعُ أمره إلى المحكمة الشرعية حتى تكفه عن الظلم، ومن كان من الورثة غير بالغ أو غير رشيد كأطفال المتوفى؛ فإن الذي يتولى إدارة نصيبه من التركة هو الوصيُّ إن عين أبوهم وصيا عليهم قبل وفاته، وإن لم يعين وصيا عليهم قبل وفاته، فإن المحكمة تعين وصيا عليهم، وقيل يكون الوصي عليهم جدهم والد أبيهم، ويقدم على الحاكم.
قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: قَوْله: ثُمَّ لوصية ثُمَّ لِلْحَاكِمِ أَنَّ الْجَدَّ وَالْأُمَّ وَسَائِرَ الْعَصَبَاتِ ليس لهم وِلَايَةٌ وهو الْمَذْهَبُ الذي عليه أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ... وَعَنْهُ لِلْجَدِّ وِلَايَةٌ فَعَلَيْهَا يُقَدَّمُ على الْحَاكِمِ ... وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لِلْأُمِّ وِلَايَةً ... اهـ.
والذي نفتيكم به هو أن يُرفعَ الأمر للمحكمة لتعين وصيا على الأطفال إذا لم يعين والدهم قبل وفاته وصيا عليهم، فإن تعذر رفع الأمر للمحكمة فلْيَتَولَّ جدهم إدارة أموالهم، وليتق الله تعالى، ولا يتصرف في أموالهم إلا بالأحظ مما فيه مصلحة لهم، وليس له أن ينفق شيئا من نصيبهم في التركة على بيته أو على غيرهم، فإن فعل ذلك فإنه ضامن يطالب برد ما أنفقه عليهم.
جاء في الموسوعة الفقهية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَال الْمَحْجُورِ إِلاَّ عَلَى النَّظَرِ وَالاِحْتِيَاطِ، وَبِمَا فِيهِ حَظٌّ لَهُ وَاغْتِبَاطٌ؛ لِحَدِيثِ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ: 56 - إِنَّ مَا لاَ حَظَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ الْعِوَضِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ لاَ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَابَى بِهِ أَوْ مَا زَادَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمَعْرُوفِ أَوْ دَفَعَهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ، لأِنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ ضَرَرًا مَحْضًا ... لِلْوَلِيِّ مُطْلَقًا الاِتِّجَارُ بِمَال الْمَحْجُورِ، وَلَهُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَذَا بَيْعُهُ نَسِيئَةً لِمَصْلَحَتِهِ، وَإِيدَاعُهُ عِنْدَ أَمِينٍ ثِقَةٍ عِنْدَ قِيَامِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ. وَلَهُ شِرَاءُ عَقَارٍ لَهُ بِمِثْل الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَل لاِسْتِغْلاَلِهِ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ، كَمَا أَنَّ لَهُ بَيْعَ عَقَارِهِ وَمَنْقُولِهِ وَإِجَارَتَهُ لِلْغَيْرِ بِثَمَنِ الْمِثْل أَوْ بِمَا فِيهِ حَظٌّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّل الْغَيْرَ بِذَلِكَ. ... كَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطَالِبَ بِحُقُوقِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ، فَيَدَّعِي بِهَا وَيُقِيمُ الْبَيِّنَاتِ، وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ إِنْ أَنْكَرَهَا، وَيُصَالِحُ بِدَفْعِ بَعْضِ مَا عَلَى الْمَحْجُورِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ إِذَا كَانَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَيَقْبِضُ بَعْضَ مَا لِلْمَحْجُورِ إِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ بَيِّنَةٌ ....اهـــ مختصرا.
وانظر المزيد في الفتوى رقم: 207331 عن حدود التصرف في مال القصر ، والفتوى رقم: 188241 عن حكم تصرف الولي أو الوصي في مال الصغير ، والفتوى رقم: 44806 عن كيفية تصرف الوصي في إدارة أموال الأيتام ، والفتوى رقم: 40415 عن أكل الوصي من مال اليتيم بالمعروف إن كان الوصي فقيرا.
والله تعالى أعلم.