الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر من نصوص الشرع، أنه بقدر ما يتألم الشخص، وبقدر صبره؛ يكون أجره، سواء أكان الألم ماديًّا أم معنويًّا، بقطع النظر عن تقدير الناس لهذا الألم؛ فالمعتبر ما يشعر به الشخص نفسه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. رواه البخاري ومسلم.
وهذا الحديث فيه تنويع لصنوف البلاء؛ فمنها المادي، وهو أذى الشوكة، والوصب الذي هو المرض، ومنها المعنوي، وهو الهم والحزن والغم، ولا شك أن تأثر الناس بالبلايا المعنوية والمادية، وصبرهم عليها، متفاوت، ويختلف باختلاف طبائعهم، وثقافتهم؛ فما يعده شخص إهانة، لا يعده الآخر كذلك، وهكذا، قال الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا قَارَنَهَا الصَّبْرُ، حَصَلَ التَّكْفِيرُ، وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الصَّبْرُ نُظِرَ: إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْجَزَعِ مَا يُذَمُّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَالْفَضْلُ وَاسِعٌ، وَلَكِنِ الْمَنْزِلَةُ مُنْحَطَّةٌ عَنْ مَنْزِلَةِ الصَّابِرِ السَّابِقَةِ. وَإِنْ حَصَلَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنَقْصِ الْأَجْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ، أَوِ التَّكْفِيرِ، فَقَدْ يَسْتَوِيَانِ، وَقَدْ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يُقْضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. انتهى.
والله أعلم.