الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أنعم الله عز وجل عليك بنعم عظيمة، ونعني هنا على وجه الخصوص نعمة الاستقامة على الطاعة، والمحافظة على الصلاة، والتزام الحشمة والحجاب، والحفظ لكتاب الله سبحانه، فأعظم بهذه النعم!
ويبدو أن الشيطان قد وجد منك لحظة غفلة، تسلط من خلالها عليك، وساقك إلى معصية الرحمن بحيلته وخداعه، وهو كذلك يفعل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}.
ووصيتنا لك في البدء أن تتضرعي إلى ربك، وتسأليه أن يزكي نفسك، ويرزقك التوبة والأوبة إليه، فتوبة عبده تسبقها توبة منه عليه، فيوفقه ليتوب ويقبل منه توبته، قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {التوبة:118}.
قال ابن القيم: فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم، وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببًا ومقتضيًا لتوبتهم، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم... اهـ.
وإذا صدقت مع ربك صدقك، فلو علم مما في قلبك أنك تريدين التوبة، وفقك إليها، قال سبحانه: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ {محمد:21}.
وثبت في سنن النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن بعض أصحابه: صدق الله؛ فصدقه.
فبادي إلى التوبة، وأري الله عز وجل منك خيرا، وشروط التوبة سبق وأن بيناها في الفتوى رقم: 5450، ولا يضر كونه هو الذي ابتعد عنك ولم تكوني أنت المبادرة في هذا الجانب، فإذا نويت تركه صادقة في ذلك، ونادمة على ما مضى، وعازمة على عدم العود لمثل هذا الذنب فتوبتك صحيحة. فبادري إليها وأحسني الظن بربك، فهو الغفار لذنوب عباده المحب لتوبتهم ورجوعهم إليه، ويقبل توبة التائبين، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه. ولا يلزم أن يكون إعراض الخاطب المذكور عقابا من الله تعالى لك، أو أن يكون ما ارتكبت من ذنب مانعا لك من الزواج، وخاصة إن تبت منه توبة صادقة، فالزواج رزق كغيره من الأرزاق سيأتي المسلم ما كتب الله له منه، فاحرصي على سؤال الله سبحانه أن يرزقك الزوج الصالح، ولا يغيب عن ذهنك أن استقامة المرأة وحشمتها، غالبا ما تكون من أعظم دواعي رغبة الخطاب فيها.
وننبه في الختام إلى أن المسلم لو قدر له أن تاب توبة نصوحا مستوفية الشرائط التي سبقت الإشارة إليها، ثم ضعف وعاد للذنب مرة أخرى، فعليه أن يعاود التوبة، ولا ييأس أو يجعل للشيطان سبيلا ليوقعه في القنوط من رحمة الله، روى البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـصلى الله عليه وسلم فيما يحكى عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: اعمل ما شئت.
قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة، بل ألفاً وأكثر، وتاب في كل مرة قبلت توبته...... اهـ.
ونرجو في الختام أن تستفيدي من بعض التوجيهات في الفتاوى بالأرقام: 1208، 10800، 12928.
وفقك الله لكل خير، وجنبك كل شر، ويسر لك زوجا صالحا وذرية طيبة، تقر بها عينك.
والله أعلم.